عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

الثلاثاء، يناير 07، 2014

عن التعلّق بالأشياء، في وداع محفظتي المزهّرة


أنا أتعلّق بالأشياء
فلتسموها عقدة الطفل الوحيد
فلتسموها علامةً من علامات تأخر النضج
فلتسموها أي شيء، ففي النهاية هذه هي الحقيقة الوحيدة التي أمتلكها اليوم لأخبر العالم عنها. أنا أتعلّق بأشيائي وكأنها عائلتي، وأقيم عزاءات كثيرة كل عام عند وداع ما لا يمكنني الاحتفاظ به منها كفستان أو معطف أو حقيبة أو حذاء رافق قدمي لثمانية أعوام وعاصر شتاءات قاسية ثم قرر الاستسلام.

اليوم بالذات ودّعت محفظة النقود المزهّرة. لا، لم تتلف تمامًا لأودعها لكن الجزء الملول مني طغى على الجزء المحب الصبور. أفرغت أحشاءها لأملأ واحدة جديدة وحيدة اللون البرتقالي الغامق. كل قسم أفرغته أحسست به يأنّ لكنني استمريت حتى آخر جزء منها. نفضتها في الهواء لمرة أخيرة لأتأكد أنها خاوية تمامًا من أي أثرٍ لي فيها ثم أغلقت كل جيوبها ببطء، أقفلت الزر الأخير وضممتها لصدري لدقائق. همست لها: وداعًا أيتها الصغيرة، كنتِ رفيقة قريبة للقلب طوال خمس سنوات مضت والآن حان لك أن تستريحي بين الذكريات.

أتذكرين لقاءنا الأول؟ كنت أزور أحد أصدقائي المقربين في فيلاديلفيا سنة ٢٠٠٩، تحديدًا في نهاية الأسبوع الثالث لي في الولايات المتحدة حيث سافرت لاستكمال الماجستير في شيكاغو، وذهبت معه لأختر لي محفظة نقود جديدة تليق بالانتقال الجديد. كان هناك تخفيضات على عدة موديلات وكانت كل المحافظ التي تفقدتها وحيدة اللون، حمراء أو بنفسجية أو خضراء أو سوداء، إلاكِ. رأيتك مزهّرة ولم أكن قد حملت ألوانًا في يدي من قبل. صديقي اقترب مني ودفعني باتجاهك أكثر، هذه غريبة مثلك أوحى إلي، مختلفة ملونة مليئة بالحياة. وأخذتك معي للبيت يومها، نقلت كل محتويات المحفظة القديمة إليك وعشت معك خمس سنوات ملونة بكل ألوان الحياة: الفرح، الجمود، الحزن، الحركة، المرح، الغضب، برد الروح، النجاح، ودفء الحب أيضًا.

لا تسأليني لماذا أتخلّى عنك اليوم. اليوم ليس له علاقة بنا، أنا وأنت. فهذا اليوم كان يستجمع نفسه منذ زمن. ومنذ فترة وأنا أتربص بشقوق صغيرة بدأت تظهر في جلدك الجانبي وأتساءل عن موعد الرحيل. وفي رحلتي الأخيرة لنيويورك الصيف الماضي كنت قد اقتنيت غيرك، برتقالية هذه المرة، فعلى الرغم من لونها الواحد إلا أنها مستوحاة من روحك المليئة بالبرتقالي في أزهارك. لم أستعملها في التو، كان قرار فراقك صعبًا واحتجت لكثيرٍ من المراقبة والشجاعة لأتمكن من قول الوداع الآن بعد خمسة شهور.

سبب أساسي وراء استجماعي لشجاعتي اليوم كان رغبتي في التخلص من وسواسي تجاهك، وربما رغبتي في أن تستقري حيث أريدك في الذكريات الجميلة عن شيكاغو وزيارتي لفيلاديلفيا وحياتي التي تغيّرت كثيرًا منذ التقينا. سببٌ آخر هو فضولي تجاه محفظة النقود الجديدة الراقدة في خزانتي دون صوت. والسبب الأخير هو إدراكي أنك على بُعد باب خزانة منّي في حال لم تطب علاقتي بالأخرى، وأنني إن اشتقت لك سأجدك بقربي.

لهذا، وداعًا يا عزيزتي وشكرًا على الوقت الجميل الذي قضيناه سويةً
فأنا أتعلّق بالأشياء، نعم، وكأنها عائلتي
لكنني أشعر بالملل أيضًا
وبين هذين الشعورين أتوه وأحزن وأستجمع قواي وأتردد لفترة قد تقصر أو تطول، ثم أخطو للأمام


الأحد، يناير 05، 2014

محاولة أولى في ٢٠١٤

هذا عامٌ جديد. قد جاء أخيرًا.
وجعٌ ثقيلٌ مرّ قبل حلوله، لكنه جاء. عندما راق له جاء، وفتح لنا باب البدايات لندخل معه قصة قصيرة من أربعة فصول واثني عشرَ شهرًا، وأيام لا أحبّ عدّها لكثرتها ربما أو لقلّة الملّون منها. 

هذا العام ليس لديّ أمنيات ولا قرارات ولا احتفالات. هذا العام أريد أن أعيش حياة عادية، تقودني هي دون ضوابط. حياةٌ تدفعني للأمام دون أن أردعها أو أشك بها. أجل، لن أشكّ في حكمتها بعد الآن، بل وأدّعي أنني أدركت طريقتها هذه الحياة في العطاء؛ أن أترك نفسي لها دون شروط.
دون شروط يعني أنني لن أقسم بأنني سأبتسم، لن أقسم بأنني سأكتب، لن أقسم بأنني سأقابل أشخاصًا جدد، ولن أقسم بأنني سأقرا أربعةً وعشرين كتابًا - كتابين كل شهر.

سأترك نفسي لها تستلم زمامي وأنا كلما سألتني هي سأستجمع شجاعتي لأجيب. نعم، فقد اكتشفت أيضًا أن الإجابات ليست صعبةً أو مستحيلةً وليست في قارورة ضيقة مستعصية على الفتح. الإجابات قد تكون أمامي لكنها بحاجة إلى كثير من الشجاعة لأستحق النطق بها والخلاص.

الإجابات تستدعي السعادة، تستدعي أن أتصالح مع البحر الذي جاورته طويلاً ولم أكتشفه، تستدعي أن أعلو على كل ما قد يظهر بأنه يحمل حربةً بوجهي، فهذه الحربة نفسها حين أمشي للأمام بجرأة ستصبح اليوم التالي في يدي بدلاً من أن تكون مرفوعةً علي. 

هذا عامٌ جديد. قد جاء أخيرًا. وأنا دون قرارات ودون أمنيات ودون احتفالات زائفة أدخله، لكنني مليئة برغبة حقيقية واحدة هي أن أكون شجاعة أمام كل ما سيرميه بوجهي وجديرةً بالإجابات.