عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

الأحد، نوفمبر 27، 2011

شكرٌ واجب ومتأخر

الخميس الأخير من تشرين الثاني/نوفمبر

عيد الشكر يأتي هذا العام على شيكاغو أو عليّ عاصفاً/ ممطراً/ بارداً..

ولكنه يأتي باسماً/ فاتحاً ذراعيه/ واعداً بفرحٍ مؤجل

*****

هذه الليلة

أشكر الحياة على شقتي الصغيرة في شيكاغو.

هذه المساحة الضيقة الأبعاد –الاستديو- بسريرها الذي يتسع لشخص وظله وأزيز سقفها وأرضيتها الخشبيين تتسع لكل تفاصيلي/ ألواني/ أهوائي.هي بيتي.

هي بيتي الذي يخبئني من بردك شيكاغو، من وحشة الوحدة، ومن شرور نفسي.

في شقتي الصغيرة الدافئة بشيكاغو، تجدون من كل شيء قطعة واحدة. إلا مني. فأنا فيها أتبعثر وأبعثر شعري في كل زاوية.

بريق عيني يحلق في المكان/أرقص وحدي/ أستمع لنقاشٍ حاد بين المطر ونافذتي/أنسى نفسي تحت الماء الساخن/أراقب صوتي وصمتي.

*****

هذه الليلة

أشكر الحياة على مشروب "اللاتيه" في كل ساعة وفي كل وقت.

أشكرها على هذا اللون الذي يشي بالدفء والنشوة.

على كل الرشفات. رشفة رشفة. بعض الرغوة تعلق بشفتي وتحرك قلمي.

على كل الأحاديث، النظرات، واللحظات التي تمر في تأمل المارّة خارج واجهات المقاهي.

*****

هذه الليلة

أشكر الحياة على شيكاغو.

أشكرها على كل رياحها التي زعزعتني. على أوراق الخريف التي علقت بشعري.

على الرحلات اليومية المتكررة من وإلى الجامعة العتيقة. على مخبز ميديتشي العابق بكل ما تشتهي على الطريق.

على ميشيغين أفنيو الصارخ بواجهات محلاته وبساطته وسرعته.

على بحيرة ميشيغن التي تخدعك بهيئة بحر ربما يخبئ أحباءك خلفه.

*****

هذه الليلة

أشكر شيكاغو على قرصات البرد اللاذعة التي تجدد معنى الدفء.

على الرمادي الذي يعب المكان ريثما تحضّر الشمس مفاجأة أخرى.

أشكرها على البعد الموجع والمحبب في آن.

على الوجوه الجديدة. على الصباحات البيضاء.

على الذكريات الناشئة.

على النسيان.


فرح برقاوي

شيكاغو/بيروت

الخميس 25/11/2010

شيكاغو. الأيام الأولى

7 سنوات هي إذن. على ضربات الكونترباص الآن أسترجعها. دخولي المقتحم لمصر القاهرة. دخولي المفعم بالوحدة والاستقلالية.

على ضربات الكونترباص المتسارعة تمر السنوات أمامي خاطفةً في قاعة الإنترناشونال هاوس بهايدبارك في شيكاغو. أجلس وسط العشرات أستمع لموسيقى الجاز الساحرة وأتأمل كيف أتيت ومن أين ولماذا؟!

الساكسفون يعلن عن دخوله محملاً بجرأة صارخة كما هي الجرأة التي اقتادتني من غزة للقاهرة لدبي، لهنا.

7 سنوات أذكرها الآن منذ خطوت لوحدي خارج حدود الرعب والرهبة. حين عبرت لمصر مملوءة بهواجس ومخاوف تأسرني. أمضيت الشهر الأول مغمضة عيني عن الحياة. ومضت الأيام لأفتحها وأخرج من مصر بأجمل ذكريات العمر.

على تلك اللحظة مرت 7 سنوات. أراها اليوم أمامي ترقص على موسيقى الجاز في شيكاغو المترعة بالرغبة. توشوشني: من هنا تبدأين رحلتك القادمة.

وأنا أتمايل. حرارة تطفق من داخلي. أوشوشها. شيكاغو. أيتها المرأة الرائعة الطافقة بالجمال والإغراء. ها أنا أرتمي بين جنباتك. على موسيقى الجاز الصادحة من أعماقك أرقص ضاربةً كل الوحدة والغربة عرض الحائط.

من شيكاغو الليلة أبدأ. من شيكاغو الليلة. كزهرة برية أفتح صدري للريح والمطر والشمس. أفتح عينيّ على نفسي. أقبّل وجه المستقبل.


فرح برقاوي
شيكاغو-الولايات المتحدة

سبتمبر 2009