عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

الثلاثاء، مايو 28، 2013

الدموع على الخدين ساخنة كمنقوشة تشتهيها ربما


الدموع على الخدين ساخنة كمنقوشة تشتهيها ربما
في لحظات الهدوء
لحظات الألم الصميم
الدمعة الأولى تكسر الصمت
تنحدر ببطء على أحد الخدين وقد تستمر في الانحدار حتى تبلل أول الرقبة
قبل أن تتلوها واحدة أخرى
المسافة التي تقطعها الدمعة يحددها حجم القطرة وقدرتها على الانحدار إضافة إلى كيفية تموضع الرأس في تلك اللحظة
الدموع على الخدين تذكرك بحضن أمك الدافئ؟
أو أن الشوق لحضنها الدافئ يستدعي دموعًا دافئة بنفس القدر؟
أو أن إدراكك أن الحضن الدافئ لم يعد الحل هو ما يعتصرك؟
دعنا منك

***

الدموع لا تكتفي بالانحدار على الوجه
بل تلتصق به وتحفر مسارها حتى المستقر الأخير
حينها، هناك خياران اثنان:
الاستمرار في البكاء، استدعاء المزيد من الحزن الشاق على الروح، ومعه الاستمرار في ترطيب الخدين والوجه بدموع طازجة ساخنة حتى تستنفذ طاقتنا، نصاب بالصداع، تسيل أنوفنا أو تسرح أرواحنا في مكان آخر أو نسقط في غفوة.
الخيار الآخر هو كتمان لحظة الأسى باستدعاء مهمة ما، غسل الوجه على عجالة، والانهماك في الابتعاد عن تلك اللحظة حتى نصطدم بها ثانية أثناء الدوران حول أنفسنا وعندها نكون أمام خيارين آخرين: السقوط مرة أخرى أو الاستمرار في الدوران.
هذا الخيار يليق مثلاً بالحادثة اليومية عندما تصحو كل صباح وتسأل نفسك عن مكانك، تطارد كل أسماء المدن التي تليق بالإجابة وكل خيالات الغرف والمنازل التي قد تكون بيتك وتعود لصورتك في تلك اللحظة فتجد نفسك مع دمعة ساخنة في اللاشيء.

أما أمثالي، من أصبحت الدموع زائرهم اليومي صباحًا مساءً فقد لا تنطبق عليهم الخيارات أعلاه رغم اقترابهم من الخيار الثاني، أو أنهم لفرط اعتيادهم عليها أصبحت ضمن نظامهم اليومي الحيوي بين الأكل والنوم والبول والخراء.

فرح برقاوي
القاهرة
الثلاثاء ٢٨ - ٥ - ٢٠١٣

الثلاثاء، مايو 07، 2013

الكمّون ومجمّع التحرير وجواز سفري


١١ عامًا قد مضى.

أقف كما وقفت وقتها في طابور الانتظار بين أكوام لحم وروائح وأقمشة مختلفة منتظرة معاملات إقامة الطلاب.

١١ عامًا قد مضى، تخرّجت وسافرت كثيرًا، غيري جاء وذهب وأقام ورحل، قامت ثورة في مصر، إلا أنه لم يتغير شيءٌ في مجمّع التحرير، كلنا نتحول فور دخولنا إلى أكوام/أشلاء/جواعى للإقامات والتمديدات والطوابع وأختام الموظفين. لم يتغير شيء سوى آلات فحص الحقائب عند المدخل التي اختفت وتقف الآن مكانها شابّة تتفحّص ما نحمله دون أي اهتمام. الشبابيك لا تزال قائمة مغبّرة مليئة بالملصقات والإعلانات والأرقام الباهتة. الأشخاص أنفسهم يجلسون أكوامًا خلف الشبابيك، فقط أكبر بأحد عشر عامًا، أكثر تدوّرًا بفضل بعض الشحوم المتراكمة، وأكثر لامبالاة وميكانيكية.

أقف في واحد من الطوابير المتراصّة، أفقد إحساسي بجسدي فمن جانبي الأيسر تتداخل معي أجساد المتصارعين على طابور آخر، وعلى كتفي يستريح بوقاحة ملحوظة/"عشم" ساعد امرأة تصرخ بلهجة خليجية على الموظّف المغبّر وراء الزجاج المغبّر. أستدير لأنظر لها ثم أفقد جميع الكلمات حين أراها نفسها ضحيّة ساعد ثقيل آخر يفترش كتفها ويتكرّر نفس المشهد تباعًا إلى الخلف، نساءٌ ورجالٌ يتحولون هنا إلى كائنات صارخة متّكئة كلٌّ على كتف من أمامه. يكاد المشهد يمتد للانهاية حتى تقطعه رائحةٌ ما.

أهو الكمّون؟ أجل، وفلفلٌ أحمر أيضًا. أعيد نظري للأمام لأرى رجلًا جديدًا بين الأكوام خلف الزجاج يرمي لهم بأكياس البهارات المتنوعة حتى كان من حظّي أن أشهد هبوط كيس الكمّون على مكتب الرجل الذي ننتظره جميعنا ليدير وجهه هو الآخر طالبًا نوعًا إضافيًا من البهار. رذاذٌ من الكمّون تطاير لينقذني من الروائح البشريّة المحيطة بي ولينبهني بأن دوري كان قد اقترب كثيرًا بينما كنت أنظر للخلف.

أخيرًا دوري حان، والرجل المغبّر يتناول جواز سفري الذي طاله أيضًا رذاذ الكمّون والفلفل الأحمر، يقلّبه بين أصابعه المنتفخة المسودّة بنفس اللامبالاة، يمسك بالختم العريض ويهوي به على إحدى الصفحات. يمسك بعدها القلم الأزرق ليكتب بعشوائية فوق عدة خانات "إقامة غير محدودة" ويرميه ككيس بهارات آخر أمامه. أسأله إن كان قد انتهى فيرفع عينه إليّ بنظرة خاوية أفترض أنها تعني الإيجاب. أتسحّب أنا مع جواز سفري كما دخلت تاركةً الغبار والكمّون والروائح الأخرى والأكوام الصارخة والمتسارعة من وإلى الطوابير، أنبثق من بوابة المجمّع لألاقي الشمس والسماء والألوان والوجوه والسيارات وبعضًا من المدى المتبقي وأستعيد حقيقة كوني إنسان.

فرح برقاوي

حدث يوم الأربعاء 17 – 4 – 2013
القاهرة، مصر

كتبت يوم الخميس 25 – 4 – 2013
على منديل أثناء مؤتمر في مرّاكش، المغرب