عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

الاثنين، يناير 30، 2012

الصوت يحيط بي من كلّ جانب

أنا والكأس الحمراء في هذه الفسحة الضيقة المعبأة بالدخان
بعضه يُنفث في وجهي أو شعري من المحيطين بي
لكننا وحدنا. أنا والأحمر الذي روى "مارك" مدير المكان قصة عنه عندما كنت لا أستمع حقاً.
وحدنا أنا وهذه الكأس، نمتص بعضنا، نشتفّ مزازتنا، كلّ منا يترك في الآخر نَفسَه، يرسله لبرهة ويعود.

الصوت يحيط بي من كلّ جانب
الصوت يتصاعد في هذه الفسحة الضيقة كلّما ضرب "موريس" بإصبعه على اللوحة السوداء مقابله هناك في الزاوية. اللوحة ليست سوداء تماماً، أراه ينحني بصدره على أزرق وأحمر أيضاً. ومع كلّ انحناءة، مع كلّ اهتزازة جسد، مع كلّ نقرة يد أو نبضة موسيقى أنا وهذي الكأس نقترب، نتقارب، نتماهى. تصير أنا.
أصير شراباً أحمر قانٍ للعاشقين على موائد عشاءات تشتعل بالرغبة، بالصمت المربك، بالكلام المربك أكثر، بالنظرات الحائرة والمركّزة في آن، باللمسات المتخبّطة المتعثرة.

الصوت يحيط بي من كلّ جانب
الصوت يعلو/يرتفع/ينبض. كل ما أسمعه هو نبض كأس فيها روحٌ تتقمصني.
أنا هي هاتي الكأس بانحناء أنوثتها، بطعمها المستعصي على الفهم، برقصها في الرأس والجسد.
أنا هي هاتي الكأس الحمراء الساكنة على طاولة في هذه الفسحة الضيقة المحاطة بالصوت الذي يعلو في الرأس ويكبر. المحاطة بالصوت الذي يصبح مهيأً للرقص كما يرقص الأحمر المسافر بين أصابعي إلى شفتيّ المشتاقتين.

الصوت يحيط بي من كلّ جانب
أنا وهذي الكأس وشعري نصبح ثلاثتنا وحدنا. نعبّ من الدخان والصوت المنهالين علينا من كل زاوية. شعري بحلقاته الهائجة يستنفر، يمتص هذه الرائحة المزعجة كما تتنشقها رئتاي المرهقتان. الرائحة المزعجة هذه هي نفسها التي في مطارح أخرى أحبها. أحبّها كما أحبّ جميع الروائح المتناقضة مثلي. أحبّها لأنني أقصدها وأشتمها في كل من أحب أو أنني أحب كل من أشتمها فيه.

الصوت يحيط بي من كلّ جانب
وأنا أفتّش عن علاقتي المبهمة الطويلة بهذا الكائن الذي فتحت عينيّ عليه ولا زلت غير قادرةٍ على الاستقلال عنه.
الصوت يعلو من كلّ جانب
وأنا أرى صوراً متلاحقةً لمراحل عمرية عابرة والثابت فيها هو هذي البيضاء الملساء المحترقة.
الصوت يتوزع في المكان
ونظراتي معه تجسّ الآخرين، تبحث فيهم عن ذائقةٍ تشبهني، عن هوسٍ مثيل، عن متلازمة احتراقٍ أخرى.

الدخان يحيط بي من كلّ جانب
الرائحة المزعجة هذه هي نفسها التي في مطارح أخرى أحبها. أتذوّقها.
نكهة السجائر في القبلة.
أكذب. ربما السجائر الفرنسية.
ربما هذا هو ما أحب وأقصد.
مذاق السيجارة في الأصابع، إطلالتها في الصباح وجلستها التي تفيض بالإغراء بين أصابع من نريد.
هاتي الجلسة تدعو للغيرة الحمقاء. هاتي الجلسة التي لو صاحبتها الكأس الحمراء الساكنة فيّ لتفتحت كل مسام الفسحة عن رائحة حب طري.

وما زلت أفكّر. وما زلت أجرّب. لكن
الصوت يخفت من كلّ جانب
اهتزازات الجسد تنطفئ
أعقاب السجائر تنزوي
الدخان ينقشع من كلّ جانب
الأحمر يتسرب من هذي الكأس التي تتسرب من يدي
أنا وشعري نصبح اثنين وحدنا
أنا وشعري نقترب، نتقارب، نتماهى، نصير أنا.
نبتسم. نعود للبيت وحدنا.

فرح برقاوي

بدأت في 17 كانون ثاني 2012
بيروت، لبنان

هناك تعليقان (2):

FG يقول...

أنا وشعري دائماً نبتسم. دائماً وحدنا.

فرح يقول...

:) قليلون هم من يفهمون ما قلت في النهاية. تعرفين انك منهم. دائماً تعرفين وتبتسمين.