عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

السبت، ديسمبر 31، 2016

رأس سنة


كنت أرغب بأن أكتب: مع السلامة أيتها الصعبة القاسية
كم كنت أرغب في ذلك، أملاً في الأسهل الحنون
لكنني فكرت في السنوات الماضية
أخذت أبحث عن السهل الحنون مقابل الصعب القاسي، ولم أجد شيئاً في جعبة الذاكرة
فكرت بأن العالم لا يتغير حقاً في عمرنا القصير.
كالطرقات الوعرة، كالجبال التي تثلج كل سنة وتمنحنا المياه الباردة في الصيف، كطعم الفاكهة، كمجمل قصص الحب والأيام الأخيرة للموشكين على الموت، كالحروب التي لا تنتهي، العالم لا يتغير -لهذه الدرجة- في عمرنا القصير.

فقط نصبح أكثر خبرةً في عبور الممرات الضيقة، وأكثر معرفةً بالحفر والتضاريس داخل الطرق التي تعثرنا فيها سابقاً، فيصبح الصعب القاسي القديم، ذلك الذي أبكانا وأدمانا، يصبح سهلاً حنوناً في المرات التالية.

ولأننا محظوظون، من بقي منا على قيد الحياة على الأقل، ولأننا منكوبون بنفس القدر، هناك طرق جديدة تنفتح أمامنا كل عام. طرق لا نعرفها ولا نفهمها بعد، طرقً لم تتدرب أرجلنا على السير فيها.
ولأننا بشريون، نفضّل اليقين على المجهول، سنظنّ بأن الجديد القاسي صعب، حتى نقع منهارين ثم نقوم، ثم نلعن الساعة، ثم نصبر، ثم نعرف، ثم نصير خبراء ثانية في الطريق الجديد.

سنحب أن نزايد على الصعوبة والقسوة، سنحب أن نبحث في الماضي عن سنة أصعب أو أسهل لنخفف على أنفسنا عبء التحدي الجديد؛ الخوف الجديد والتخبط الشديد الذي يرافقه، أو لنمنطق عدم شعورنا بنفس الصعوبة في إحدى التجارب. لكننا إن نظرنا حقاً سنجد السهل والصعب وجهان لعملة واحدة تفرقهما الخبرة والتجربة.

أود أن أقول، وداعاً أيتها الصعبة أملاً في السهل الحنون
لكنني أتذكر أنني محظوظة بالحياة وبالتجربة وبعض النجاح وبعض الفشل
وأفكر بأن الجديد صعب أحياناً، لكنني لا أريد أن تحرمني الحياة من الجديد

كل عام وإحنا بنوقع ونقوم، وحوالين بعض في الصعب والسهل، في الحل والترحال

الثلاثاء، ديسمبر 20، 2016

تعريف العادي


العادي هو المتكرّر
الذي نعرف دائماً أننا نعرفه
أو نعرف دائماً أننا نجهله
هو اختزال التفاصيل والأوصاف
لمن لم يحدث له جديد

العادي بإمكانه
أن يكون القاسي
الحالم
الرومانسي
القاتل
السارق
المحب
الأبوي
أو الفطور الصباحي

يعيش فينا وبيننا كحرباء
في هذه الصحراء، وما قبلها، وما سيأتي بعدها
وسيظل العادي قادراً على التسلل
وتغيير لونه ببطء
كما تتسلل الفصول

يصبح العادي عادياً آخر
يتكرر يتكرر
بانحناءات بسيطة
وانحرافات لا يراها البشر
يتكرر حتى
يخلق بيننا، أو لصاحبه
تكراراً جديداً
نكاد لا نذكر
ما كان قبله



*نص ذاتي نتاج إحدى جلسات ماراثون كتابة "صحراء ما بعد الهزيمة"، ١٤ - ١٠- ٢٠١٦

الجمعة، نوفمبر 11، 2016

رسالة إلى شخص سأل بصوت مرتفع عن الفشل

ماذا عن الفشل إذاً؟
من ربّانا لنقدّس النجاح؟
ماذا عن الفشل إن كنا نحاول، وهو واحد احتمالين؟
ماذا عن المحاولة من جديد؟
ماذا عن الرفض المبالغ للموت؟
ماذا إن ماتت الأشياء، المشاريع، لمبات الغرفة، شتلة الريحان، الصداقات، الشراكات، العلاقات؟

استمعت لبودكاست عن الحياة، عن الوجود، عن الكينونة (on being)
وكان يتحدّث عن الفقد الغامض، عن الحداد
عن العالم الجديد الذي نعيش فيه،
عن رفضه للموت، للفقد، للمعاناة
عن محاولاتنا البائسة للتخلص من الشرط الإنساني في عيش المأساة، الأوجاع
عن رفضنا الانحناء مع العاصفة
حتى أنه عاصفة بعد عاصفة
تنقسم ظهورنا عزّة وغباء

فشلنا ربما، فماذا بعد؟
فقدنا أعزاء وأقرباء
فقدنا بيوتاً
ومشاريع، أسميناها “مشاريع عمرٍ”
لكن العمر لم ينته
فلماذا لا نودع ذلك الذي انتهى كما يستحق؟
نودعه
وننتحب قدر الممكن
نلبس الأسود إلى حين نشاء
ونصوم عن الأكل أو الجنس
إن كان الوجع قاسياً

لماذا لا نكتئب قليلاً في غرفنا المعتمة؟
ونعيش بعض الدراما؟
نقرمش الشيبسي بالشطة واللمون
ونشاهد مسلسلات مخزية كحالتنا؟

ما الذي سيفوتنا ونحن جالسون هنا؟
ما الذي نخاف تضييعه وقت الحزن؟
ماذا والأرض تدور كل عام دورةً
والقمر يدور كل شهر دورةً
ونحن ندور كذلك
نعيش عمراً واحداً
لن نخسر منه شيئاً
أيّاً كانت الأحداث
والانكسارات
لأن اللحظات الناجحة
والفاشلة
سواء
مليئة جداً
بالحياة

الجمعة، أكتوبر 14، 2016

بلوز

نشرت على موقع رمّان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين بتاريخ 14 أكتوبر 2016

في حديقةٍ عامة
في المدينة البعيدة
أجلس على العشب الأخضر

السنونو،
في سماءٍ تخلو من الآلام والشوائب
يحلّق فوقي
يلقي بظلّه عليّ

الحرارة تغري بالتصاق جسدين

وسط الحديقة أجلس
وسط أشخاص كُثُر
أزواجٌ
وأحباء
عجائزٌ
نساءٌ حوامل
وأطفالٌ عابثون

أستمع لموسيقى البلوز
وأراقب زرقة قلبي

الناس من حولي
يرقصون
يشربون البيرة
ويدخنون لفائف
بنكهاتٍ شتى
وأنا..

أفكّر بالبطاقة البريدية الأولى
التي لن أرسلها لك
وأفكّر - وسط الجمال -
بكل البلاد البعيدة التي
لن أزورها معك
وكل الموسيقى
والأفلام
والحدائق العامة
التي سأجلس فيها مع كل الناس
إلّاك

أفكّر كيف الأيام
تغدو خفيفةً
شيئاً فشيئاً
وكيف أني سأختبر الحياة التي
خبّرتك عنها مراراً
وكتبت عنها مراراً
كيف سأختبرها
بهدوءٍ
وحبٍ
وألقٍ
مع أحدٍ غيرك


الخميس، سبتمبر 22، 2016

أغنية

في السرفيس المتّجه لشارع الحمرا
الرطوبة تملأ الجو
والذكريات أيضاً
تأتي أغنيةٌ من الراديو لتحطّ على قلبي
تتكاتف علي مع بلوز أيلول لتنبهني مجدداً
كيف أن بيروت

قادرة دائماً على الحب
والإيلام

الاثنين، يوليو 25، 2016

في الطريق إلى النسيان

واحدةٌ واحدة
تتمشّى الذكريات على مهل
تؤدي رقصة الوداع أمام قلبي
تغرقني وتغرق نفسها بالدراما
وتتهاوى

واحدةٌ واحدة
تتوالى
في المطعم وأنا آكل السوشي
على رصيف القطار حين يتعانق حبيبان
أمام نوافذ المحال التجارية وأنا أقتل الوقت
تمخر عباب ماء قلبي
وتتوارى

واحدةٌ واحدة
تمنحني قبلةً في الهواء
لا وقت يكفي للوداع
لا وقت يكفي للبقاء
فقط أظلّ أنا 
وهي تختفي عني
بلا رجعة


نيويورك
السبت ٢٣ يوليو/تموز ٢٠١٦

الاثنين، يونيو 06، 2016

٣١ واحدٌ وثلاثون 31

اليوم الأخير من كل عُمرِ يعود مجدّداً
أستيقظ عليه في مدينة بعيدة
وحدي مع شمس الصباح هنا
وأفكار كثيرة تطوف من حولي
دون أن ترقد مطوّلاً

أفكر بالكتابة عني
أنا وحياتي المتجددة
كم من دورة مع النفس خضت هذه المرة لأصل هنا
عند خط النهاية/البداية

مرت السنة بسرعة
مرت غنيّة
مكتظّة بكل شيء وعكسه
مكتنزة بالنفس
بالأنفاس
بانحناءات الجسد
بالاكتشافات الصغيرة
بساعات طويلة في البيت والمطبخ

وبالوحدة
لا..
بالعزلة،
أو بأن..
أكون وحدي

هذه السنة
كبرت سنوات كاملة
زاد الوقت الذي لم أر فيه أبواي سنة
أنا "الطفلة" الوحيدة
وأقفلت سنوات معلّقة في القلب والذاكرة

دخلت امتحاناً صعباً
في الحب والفقد
في القبول والغفران

ودخلت سرداباً من النور المقدس
نحوي
سرداباً لم أختره لكنه اختارني
منحني عطاياه هذه السنة
لأبدأ الخطوَ نحو الذات
وأُدهِشَني

دخلت سباقاً مع الخوف
لا زلت أركض فيه
وأعرق
لكني أشدّ ساعداً
وأرى الخوف أحمق

أخذت عهداً مع النفس
على الصبر
على الصمت
على السكون والاستكشاف والخلق
على الإصرار
وللمرة الأولى أبطء الخطوَ
ألتهم أنفاساً عميقة
أبتسم بهدوء باردٍ على القلب
أمارس طقوسي
أتحسس ثناياي على مهل
أمتلئ بالإيمان والتصديق
وأراني في الكفّة الراجحة

هذه السنة
ولأول مرة ربما
عاملت نفسي بما تستحق من الحب
عاملت جسدي بما يستحق من العطاء
وسامحتني بكل ما أوتيت من قدرة
فكافأتني النفس
وكافأني الجسد
بالحب المضاعف والعطاء
بمساحات خضراء في الداخل لا وحوش
ومفاجآت مفرحة

وفي هذه الأمسية الصيفية المتجددة
من شهر حزيران
سأزهر من جديد
لأفتتح دورة جديدة من دورات هذا العمر
وأشهق..
كم كريمةٌ هي الحياة!

في مدينة بعيدة
خارج بيتي
خارج منطقة الراحة
أترك المكان والزمان لأسافر إليّ
أستمتع بالكتابة
ألتاع بالموسيقى
أكتشف إيقاعي
أنفرد بالصباحات البطيئة المضيئة وحدي
أستقي الحب منّي
وأختبر البيت داخلي




 شيكاغو
٦ حزيران ٢٠١٦