عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

الأحد، أكتوبر 26، 2008

كوستا كافيه

في مقهى كوستا.. أو كوستا كافيه كما تفرضه علينا التسمية الدارجة الآن أجلس وحدي .. صباح يوم عمل آخر وأنا لا أعمل .. أنظر إلى وجوه الآخرين، وأطل من حائط الكافيه الزجاجي على من يسترقون سيجارة أو أكثر قبل العودة إلى مكاتبهم المزودة بإنذارات الحريق. ها أنذا هنا إذن ما زلت في دبي .. بعد أن توقفت عن انتظار التأشيرة لدخول شيكاغو واستكمال دراسة الماجستير لهذا العام وبعد أن تخليت عن عملي وسيارتي العنصر الذي ينافس الهواء والماء والغذاء في أهميته داخل مدينة الترحال.

في محاولة للخروج من البيت صحوت اليوم مع زوجي، قطعت أكثر من 40 كيلومتراً معه للوصول إلى مدينة دبي للإنترنت حيث يعمل ومن ثم آخذ سيارته وأنطلق. لكنني بقيت في نفس المنطقة، دخلت إلى كوستا كافيه لأشرب الكافيه لاتيه وأحاول الولوج للشبكة اللعينة، لا، لم أستطع لأن مدينة دبي للإنترنت لا يوجد فيها إنترنت كما قد يعتقد البعض، كله باشتراك ومصاري.

بعد شهر ونصف الشهر سأكمل عامين من الصراع في دبي.. هل تصدقون؟ أدري أن السنوات تمر بسرعة في كل مكان.. لكنها تمر هنا بسرعة مرهقة.. تمر على وجهك ويديك وقدميك وبالطبع معدتك التي تنتفخ يوماً بعد يوم وتقطعها خطوط عرضية تتحول إلى ثنايا "دبي".

أحب كوستا كافيه.. ليس فقط لأنه واحد من أماكن قلة هنا تقدم القهوة بمذاق يمكنني احتماله.. بل لأنه أول مكان ربطتني به علاقة في هذه المدينة.. المكان الوحيد الذي كنت حين أقصده أعرف أنني أريده حتماً، ودون تردد أفضله على غيره. ليس ذنبي إن كنت أشعر بالانتماء لكافيه أو مقهى.. صدقوني.. على الأقل هذا الكافيه يشهد على أغلب أحاديثنا، فكل الأشياء الأخرى كالتسوق وتناول الغداء والسينما والعمل لا تدعو إلى أن تفتح قلبك أو تناقش أحداً أو تشكو من شيءٍ كما وأنت تشرب القهوة في مكان يمتعك بمجرد فنجان من القهوة.

في هذه اللحظات يستحضرني البيت.. أستحضر كل البيوت التي سكنتها .. بيتنا في دمشق حيث اعتقدت أنني سأكبر فيه، بيوتنا المتعددة والمتغيرة في غزة.. البيت الذي سكنته في مصر .. والشقة التي أسكنها اليوم مع تامر في دبي. كنت أعيش في حالة ترحال دائمة بين البيوت.. لكن أحلام أمي بالبقاء كانت أقوى من حالة الترحال.. كانت تجعل من كل بيت بيتنا حقاً.. بشموعها ولوحاتها والصور التي يزداد عددها عاماً بعد عام .. بروحها كانت تجعل من الشقة المجردة بيتنا الذي ننتمي له.

تعلمت أشياء كثيرة من أمي .. لكنني لم أكتسب قوة الحلم لديها .. لم أرث وصفتها السرية في البقاء وأراقب نفسي يوماً بعد يوم أستسلم لترحال دبي. حاولت أن أحب شقتنا الحالية .. أحاول بشكل يومي أن أتقبلها .. لكنني لست قادرة على جعلها بيتنا.. ربما لذلك ألجأ إلى كوستا كافيه .. ألجأ لمكان أقبله كما هو ولا أطلب منه المزيد..

توجعني كعادتها فكرة البيت .. الفكرة الوحيدة التي تقودني لأن أشتاق غزة .. أسرح طويلاً في ما يمر بخاطري من الذكريات .. أسرح في العائلة والأصحاب والطعام الذي تعده أمي .. آه .. أكاد أشم رائحة بيتها الجديد الذي لم أراه حتى اليوم ..

أفكر الآن في مغادرة المكان .. تغير الجالسون من حولي عدة مرات وأنا أراقب وجوههم العابرة .. حان دوري إذن لأرى الشارع وأنطلق بالسيارة كما خططت صباحاً.. لكنني سأعود كما دائماً إلى هذا الكافيه .. سأعود لأشرب اللاتيه وأراقب الناس وأفتح قلبي.


فرح برقاوي

كوستا كافيه/ دبي

الخميس 23/10/2008
12 ظهراً

السبت، يوليو 05، 2008

لدير اللاتين في غزة

هل تعيدنا رسالة قصيرة مسافرة عبر العواصم إلى حيث كنا مرةً؟ تقوم بفعل آلة الزمن، فتذكرنا بما كنا وما امتلكنا من أفكار وصداقات ومشاعر. رسالة قصيرة كفيلة بأن تقلب يومنا، وتبعدنا عما نعيشه اليوم، لندرك كم ابتعدنا عن لحظاتٍ ربما كانت من أجمل ما عشناه؟

منذ ثلاثة أيام، في يوم ميلادي، وصلتني هذه الرسالة القصيرة من صديقة قديمة. كانت تهنئني بعيد ميلادي، وبعدها توالت الرسائل بيننا ثم المحادثة الإلكترونية التي حاولنا من خلالها استرجاع شيءٍ من الذكريات، وتناقل بعض الأجزاء عن الحاضر. لم تكن أول رسالة تصلني منها بعد انقطاع طويل، ربما كانت الثانية أو الثالثة. لكن هذه الرسالة تحديداً هي التي أيقظت ذاكرتي، وفتحت صندوقاً غارقاً كنت أخبئ فيه أحداثاً ومكاناً عزيزاً وثقيلاً على قلبي في آن، دير اللاتين.

*****

انتقلت إلى مدرسة دير اللاتين بعد عودتي من دمشق إلى غزة بعامٍ واحدٍ. ففي العام 1996 غادرت المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية، ومن مدرسة القاهرة الابتدائية حلّقت إلى دير اللاتين. كانت خطوةً شاسعةً على طريقٍ لم تنته، فدير اللاتين في البداية مدرسةٌ خاصةٌ على عكس ما اعتدت عليه في دمشق من مدارس وكالة الغوث. ودير اللاتين في كل الأوقات ليست كأي مدرسة، وبإمكاننا –نحن من ارتدناها- أن نطلق عليها مصطلح "عالم" لأننا وحدنا من نعرفها حقاً، ووحدنا من جربنا طعم المتعة فيها خاصةً في حقبة "أبونا"* في مقر المدرسة التاريخي في غزة البلد.

هل مرت 12 سنة على ذلك اليوم؟ حين كنت أجلس في الصف السابع (ب) مرتديةً الزيّ الجديد، القميص الأبيض والجيليه والتنورة الرمادية إلى ما تحت ركبتي، أحاول الاختلاط بهؤلاء الغرباء من صبيان وفتيات، وتجلس أمامي فتاةٌ تجرّب هي الأخرى أن تتناسى حسرة رجوعها إلى غزة وفراق تلك المساحة من الكرة الأرضية التي كانت عالمها الجميل، وتحاول المضي كأنّ شيئاً لم يكن.

صديقاتنا وليس الأصدقاء، لأنني لا أذكر أنني عرفت يوماً كيف أصادق أحد زملائي الذكور، ربما لم تفهمن في البداية ما مررت به، فأغلبهنّ قد ولدن وعشن وكنّ جزءاً من غزة. لكن الأيام والأحداث قربتنا، ويمكنني أن أقول بأنني أصبحت جزءاً من مجتمع دير اللاتين بجدارة بحلول الصف الثامن (ب أيضاً).

كانت غزة ودير اللاتين وجهين لعملةٍ واحدة، وجهٌ ضاحكٌ وآخر يعبس في وجهي. ولذا انحصر عالمي الصغير داخل دير اللاتين وبنات دير اللاتين، وغدا ما هو خارج المدرسة هو نفسه ما كان في داخلها.

لكنها كانت أيضاً سنواتٍ غريبة! هل لأننا كنا مراهقاتٍ ذوات أمزجةٍ متقلبةٍ وأفكارٍ ومعتقدات في بداية التكوين؟ هل تخيّلنا كم سيلحق بصداقاتنا من ضررٍ أثناء تشكلنا الإنساني وميلاد أنوثتنا؟

البارحة وأنا أتحدث مع صديقتي الدير لاتينية القديمة، أدركت كم أننا لم نخرج سالمات! برغم الفرح، والجنون، والمتعة، والشغب الطفولي لم نخرج سالمات من دير اللاتين/المراهقة. افتكّت أيدينا المضمومة لأسباب لا أذكر أيّاً منها، ولا تذكرها، ومن تذكرها؟!! وخرجت كلٌّ من بنات المدرسة في رحلتها، دون أن تنسى هذه القطعة من روحها، هذه المرحلة التي التصقت بها وبذكرياتها لتنقلها معها حيث تذهب.

صديقتي هذه، لم أكلمها منذ سبعة أعوامٍ كانت كفيلة بأن تجعلها اليوم زوجةً وأُم. صديقتي هذه عاشت داخلي، كما كل صديقاتي، وكما حمل قلبي كل ما اختبره في دير اللاتين ورحل به خارج حدود غزة.

واليوم، وعلى بعدٍ كفيلٍ بأن ينسينا كلّ شيءٍ، سنوات من العمر وحدودٌ تفصلنا، أعود لدير اللاتين بمخيلتي، أدخل صفوفها وأسمع الجرس فيها، وأرقص الدبكة الفلسطينية على مسرحها. أراكم كلكم حولي صديقاتي.. أرى أطفالنا فيها، وأشتاق.. أكتب لهذا العالم الجميل.

دير اللاتين، الطابور الصباحي، المقالب والمخيمات الصيفية. كبرنا فيكِ، كبرنا حتى لم تتسع لنا الأرض، فكنتِ الأرض وما عليها، لكننا كلما كنا نكبر كانت توقعاتنا، أحلامنا، ومشاكلنا تكبر أيضاً. وسِعَنا قلبُكِ، لكنّ قلوبنا لم تتّسع لكلّ ما منحتنا إياه، فاختلفنا وابتعدنا. آه كم ابتعدنا!


* "أبونا"/ الأب مانويل مسلّم، راعي كنيسة دير اللاتين في ذلك الوقت.


فرح برقاوي

دبي
الثلاثاء 10/6/2008

كنت أرغب بوضع صورة لدير اللاتين، أو صورة لنا في ساحاتها، دبي جردتني من كل الصور، فلو كان لدى أحدٍ من طلابها صورة مناسبة، أرجو إرسالها لي حتى أضعها هنا.

السبت، يونيو 14، 2008

أغنية


محمود درويش

وحين أعود للبيت وحيداً
فارغاً، إلا من الوحدة
يداي بغير أمتعةٍ، وقلبي دونما وردة
فقد وزعت ورداتي على البؤساء منذ الصبح ..
وقارعت الذئاب، وعدت للبيت
بلا رنٌات ضحكة حلوة البيت
بغير حفيف قبلتها
بغير رفيف لمستها
بغير سؤالها عني، وعن أخبار مأساتي
وحيداً أصنع القهوة
وحيداً أشرب القهوة
فأخسر من حياتي ..
من كفاحي
أخسر النشوة
رفاقي ها هنا المصباح والأشعار، والوحدة
وبعض سجائر.. وجرائد كالليل مسودّة
وحين أعود للبيت
أحس بوحشة الصمت
وأخسر من حياتي كل ورداتي
وسرٌ النبع .. نبع الضوء في أعماق مأساتي
واخترت العذاب لأنني وحدي
بدون حنان كفيكِ
بدون ربيع عينيكِ!

الاثنين، مايو 05، 2008

سلام

سلامٌ وحب.. هو كل ما كان تلك الليلة
*****
هناك .. حين كنا معاً.. لم أفكر لحظةً في ما سيكون..
في القاهرة .. حيث تأخذنا التفاصيل الكثيرة .. تجمعنا أمسياتٌ لا تنتهي وفي البال تبقى ..
ولما رحلتُ عن عيونها إلى هنا .. فهمتُ معنى الوحشة

*****
الآن أنتَ هنا لوقتٍ مسروقٍ من الساعة التي تلف حول أعناقنا
واليوم نغني لعيون ريتا .. ولذكرياتنا الحلوة
اليوم نجلس معاً وغداً لا ندري يا صديقي أين نكون!


الفُرْقَة يعني السفر

يعني سهرة غنا بالليل قبل الوداع

الفرقة تعلّم الإنسان ... يقدّر الأشواق

الفرقة والوداعات

أوقات ...

للنفس مش سعيدات


حين قرأت كلماتك أول مرة ازدادت هذه الغربة اسوداداً. غمرني الحزن.

والليلة يملؤني الألم والفرح معاً. أفرح يا صديقي .. نعم بل أرقص حين أدرك حتى أعماقي كم أنت قريب رغم السفر. كم أنت هنا تسكننا ونسكنك.. وكيف أنك امتدادٌ لروح الحياة فينا.
حين تكون نكون، وحين تغني أو تتحدث أو تلهو أو تغضبنا .. يكون الحب هو الحاضر. وأعترف: بوجودك تحلو الدنيا، تغمرني ضحكتك بروح أخرى. تحملني على السهر وتسكنني طاقتك الكونية.

الليلة أشرب كأسك.. ولا أشبع منك.. لا يشبع من طيفك أحد منا

*****

الفرقة يعني السفر

وأنت تسافر/ تبعد .. تحلق بجناحيك لأبعد مما نتصور..
لكننا يا صديق عمري، كما كنا وسنكون دوماً.. لا نفترق


فرح برقاوي
الأحد 4/5/2008
دبي

السبت، أبريل 05، 2008

لحظة





" أن يعود بعد غياب.. أن يحي كل ما دفناه معاً..
وأن يشرق من جديد في سماء
أيامي.."

تتكئين على جرح معلق .. وتبوحين لي بكلك المغمور بالحسرة.

ولا أستغرب ما يحدث هنا.. صعب وحارق.. لكنه جميل. عندما تودعين شخصاً.. وعلى أمل الرجوع تمضي سنة.. وعلى أمل النسيان تمضي سنة أخرى.. ثم تمضين مع الذكرى إلى حيث أمل جديد..

هذه الذكرى التي كانت بالأمس حياةً.. هي اليوم طريقٌ لحياة جديدة ومختلفة تماماً.


*****
بدأت حلماً جديداً.. ليس حلماً.

تاركة كل ما كان وكل مكان بدأت رحلة متكاملة زهية تمضين فيها. من بقعة ما انطلقت .. مع بطل حبيب ممسكة بريشة تخط بعض لحظات من المستقبل. وأنتِ اليوم تصنعين حياة لم تكن لولا أذنت لحلم بأن يمضي، ومضى.

*****

لحظة / ما هي اللحظة؟
هل صحيح أننا قد صنعنا الزمن لنفهم الأشياء يا صديقتي؟

فهذا الزمن يطول مع الانتظار ويقصر بإيجاد الأشياء. أما عندما تضيع .. فينعدم .. يتوقف معلقاً .. وتبدأ ساعة جديدة بالنبض لتعطِ الإذن بميلاد قصةٍ أخرى.

ومعه انعدم الوقت.. لكن الساعة ظلت معلقة على جدار حياتك بلون حادٍّ وواضحٍ حد الجنون.

مضت لحظة وحين لمحت ابتسامته انقشعت غيمة. انكسر قفل الزمان، وعدت تدورين عقرباً داخل ساعة الحزن المختمر.

*****

ولربما هي ليلة
استيقظت بعدها على حلمين يسيران معاً دون التقاء.. وأنت لست أنت.. تنظرين من بعيد وحدك على حافة الانكسار.

إذن دعي الأحلام تمضي ..ولا تفكري كثيراً.. خطوة للأمام أو للخلف لا فرق.. فأنت كما اعتدت دوماً يا صديقتي.. ستقعين حتماً على حطام قلبك.


فرح برقاوي

دبي

السبت 4/5 /2008

---------------------------------------------------------
حين كتبتها وأعدت قراءتها.. وجدت الكثيرين فيها.. قصة من هنا أو من هناك.. لكنك كنت حاضرة من البداية للنهاية .. تسنيم

الأحد، مارس 09، 2008

مقعد الغرباء

مسافر وحدك .. تجلس على مقعد الغرباء.. ترقبهم.. تحاول أفكارك السفر قبل الموعد المحدد للطائرة، لكنها تظل عالقة بين ما تتركه وما أنت مقبل عليه بعد الوصول الجديد. وحدك جالس على هذا المقعد، وكثيرون قبلك قد مروا عليه تاركين قطعة من روحهم في صالة المسافرين، وأنت تعلم أنك مثلهم ستترك عطرك، وقليلاً من القلق لمن يأتون بعدك .
تظن بأنك مختلف عنهم، حاملاً فرحةً أو جرحاً، حباً أو طفلاً. وتختلف عنهم فعلاً، فأنت اليوم عبر هذه البوابة ستذهب، محمولاً بالرغبة، محملاً بالحنين. عبر هذه البوابة ستذهب، لا عودة للوراء، وعلى هذه الطائرة ستبدأ فصلاً آخراً من حياة الترحال التي فرضت عليك.

مثلك أنا.. أجلس على هذا المقعد الذي كنتَ فيه، وأشتم رائحة غربتِك. أحاول بقدر الإمكان التشبث بأجزائي التي ترفض الإقلاع معي إلى حيث أرحل. في مطار القاهرة.. حيث لا لون مميز للأشياء، ولا ابتسامات تغطي وجوه العاملين، أجلس مأخوذة بولعي بمصر وتحديداً مدينتها الأكثر ازدحاماً وتلوثاً وزخماً وحباً وأشخاصاً: القاهرة.

في هذه القاهرة، تأخذ المعالم لوناً آخر لم تألفه المدن، لوناً قاتماً وساحراً في آن. يأخذ الإنسان بعداً آخر، يصبح نقطة في بحر، أو دورة في دوامة، ويصبح نفسه قادراً على الخروج عن المألوف، يفاجئ نفسه، يمشي كما لم يفعل منذ جاء للأرض، يتحسس الشوارع يتعرف إلى أسمائها، ويرمي بخطواته على إسفلتها المهزوم من مر السنين.

أحبها، كما لم أحب مدينة من قبل .. ألأنها شهدت على اكتمال الأنثى فيّ ؟! .. أو لكونها محطة استقلالي الأولى؟ .. أو ربما لأنها صنعت أرواح أعز الناس؟! هي المدينة/المرأة بكل تفاصيلها.. تنتشي بكل من يدغدغ أرضها بخطوة المحب.

بأي طاقة يا مصر ولدت القاهرة؟ بأي حزن تتركيني دونها؟ أنا الجالسة كغيري على متن الطائرة. أبحث عنها .. في كف يدي .. ملامحي .. وتزداد مرآتي انكساراً كلما ابتعدت. وأنت يا قاهرة.. يا مدينة الكل كيف تجتثين أعماقي؟ وأخرج منك مبللة بذاكرتي، بلهفة أول الحب أخرج، وأودِعُك رغبتي التواقة للسهر والغناء والوجود.

وحيدة أغدو حين أغادر غيمك .. مذهولة بثقل الفراق أدرك كم أحتاج أن تشديني .. أن تأخذيني بين راحتيكِ كل حين وحين .. أن تحرميني النوم حين أضيع فيكِ .. أن تملأيني برائحتك .. بغبار كفيكِ يا أم المسافرين.


فرح برقاوي

مطار القاهرة - دبي

الأحد 9/3/2008