عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

الأربعاء، فبراير 15، 2017

اللارسالة الأولى - من أرشيف الرسائل


إلى رشا حلوة - ٩ أكتوبر ٢٠١١


الصفحة بيضاء.
أجل.. مضى عام أو أكثر ولا تزال هذه الصفحة بيضاء.


في كل مرة أشغل فيها اللابتوب البنفسجي.. وأقفز بحماسة إلى صفحة وورد أسكب فيها تفاصيل المساء أو بقايا ذكريات، تنسحب الكلمات برفق ودون سابق إنذار وتتركني إلى تثاؤب محتد أو رغبة شديد بالبكاء.. وتمضي.


هذا اللابتوب الصغير والخفيف الوزن اللي أهديته لنفسي في ديسمبر الماضي تنبؤاً بسفرٍ مستمر قد غدر بي أكثر من مرة.. وتآمر مع هذا البياض عليّ.. وكأن وقت الكتابة ينتهي كلما راودتني فكرة تستحق أن تقتل فراغ الصفحات.


اه يا صديقتي الجديدة.. طلبتِ أن أكتب لك رسالة، وهائنذا أستدعي الكلمات على مهلٍ.. أخادعها.. أعدها بمقابل كبير إن هي طاوعتني وسهّلت عليّ مهمتي. فمهمتي هذه صعبة يا حلوة. مهمتي أجهضتها الأوجاع أكثر من مرة، واستوقفها تشتت الزمان والمكان واللغة، ومن ثم أثقلها هول ما رأيت. وعلى سيرة "هول ما رأيت" تستحضرني الآن للمرة المليون الجملة الغنائية من كورال الأمثال الشعبية "الشيء إن زاد عن حده يتقلب ضده"، هي تختصر المنطق الذي يعمل به قلمي أو مؤشر الكتابة الإلكتروني، فهما يصابان بشلل طويل الأمد كلما اكتنزت أنا بالأفكار والأحداث والذكريات، وربما بشللهما هذا هما يطالبانني بغربلة عاجلة ودقيقة وحاسمة لما يعتمل داخلي، يطالبانني بأن أطلق سراح بعض المشاعر لتذهب في سبيلها بعيداً عني، لتتركني بحمل معقول يستطيعان هما استلامه عني والنزول به على هذه الصفحة البيضاء.

تمضي الأيام وأنا مشلولة. أحاول أحاول. أكتب سطراً وأعد نفسي بأن أرجع في الصباح الباكر لأدلي بشهادتي على أي شيء. على الأخبار السوداء التي تأتي كل ساعة. على شيكاغو الجميلة. عن ساقاي اللتان لا متعة لهما سوى الرقص. على علاقة حميمة سريعة مررت بها. أو. أو شهادتي على صورتي في المرآة والخطوط التي بدأت ترتسم ببطء وأناقة مبالغة تحت عينيَ.

منذ أكثر من عام وأنا أجرب أن أكمل الفكرة. أن أكمل الفقرة. أن أكمل السطر الأول. أن أفهم الكلمة. لكنني كلما جربت أن أكتب دخلت في تنويم مغناطيسي كذلك اللي جربته مرة في دبي. الكلمات ترتسم فجأة على شكل دهاليز وهي إما لا تقود لشيء أو أنها تقود لكل شيء: فقط، فقط لو أنني أجد الطريق.

هذه ليست رسالة. هذه شهادة على حالة العبث التي أمر بها منذ أكثر من عام. وربما، بل على الأرجح منذ انزلقت بفرح مؤجل من رحم أمي الحالمة. حالة العبث هذه تغير أبعاد الأشياء: رائحة الحب، الألوان، مذاق القهوة في الصباح الباكر، ووقع الموسيقى.. كلها تصبح أبعد بخطوة أو خطوتين، أو ربما أبعد بسنة ضوئية، أو كون بأكمله.

هذه أولى رسائلي لك يا حلوة. حاولت هذه الصفحة البيضاء، حاولتها لأجلك مرة أخرى، وسأحاول من جديد حتى تقرأي مني رسالة حقيقية. اعذري هذا الحزن ورسالة ملتبسة غير متعددة الوسائط، واستمعي جيداً للموسيقى الصامتة التي أرفقها هنا، هي تحكي الكثير.. الكثير.

الشوق
فرح

السبت، فبراير 11، 2017

رسالة إلى تنينٍ صغير: مرثيّة لطفولتي في الشام

نشرت على صفحة رمّان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين بتاريخ 11 فبراير 2017

تنيني الأحمق الصغير
أين تكون الآن؟
في أي أرشيف
والمدينة احترقت؟

أي الشاشات
تذكر عرضك
وقد تغيّر شكل التلفزيون
عدة مرّات، منذ عرفناك؟

أي العيون تذكرك
وكثيرون ممن شاهدوك معي
كل مساءٍ
في الرابعة عصراً
أمسوا سجناء
أو شهداء
أو لاجئين 
أو موتى على الشواطئ
أو جلادين
يقتلون ذكرياتنا
وذكرياتهم أيضاً
في فرنٍ كيماوي كبير؟


أذكر طيفاً لك
وأتساءل
لماذا لم أبحث عنك
على "يوتيوب"، قبل الآن؟
فلا بد من أن هناك من 
حاول إنقاذك
من الاكتئاب
أو الضياع

"أبي أبي.. أريد العمل في الإطفاء"
كنت تغني
وكنت أخضر
مبتسماً
وأحمقاً
كقلبي
وقلوب محبيك

وكان أبوك حكيماً:
"هذا عملٌ فيه عناء"
يعرف أن النار
عماد الكون
أم الأسماء
والأشياء

كان يخمّن،
سيأتي يوم
نبحث عنك
لتشعلنا
تحرّكنا
وتضحكنا
حين تطفئنا سجون التعذيب
وماء البحر
وتقارير القتل
وأحلام الهجرة العابثة

وقد آن الوقت
-منذ وقتٍ-
يا تنيني الأحمق
يا طفولتي الحلوة
فانهض
من قبو الأرشيف العتيق
إنت كنت مثلي، 
محظوظاً، حياً،
وامنحني
وأصحابي المجانين
جناحيك الصغيرين
وشعلة نار
تدفئنا في هذا الشتاء العصيب
وتوقد نارنا
للمعارك المقبلة

*التنين الصغير Grisu: مسلسل رسوم متحركة إيطالي عُرضت النسخة المدبلجة منه على عدة شاشات عربية في النصف الثاني من الثمانينات وبدايات التسعينات، ومنها التلفزيون السوري. (أغنية مقدّمة المسلسل)
يحكي المسلسل قصة صغير اسمه "جريسو" أراد بشدة أن يصبح رجل إطفاء، على عكس والده الذي يحب إضرام النار ويتمتع بإشعال الحرائق. كان الأب يحاول أن يثني جريسو عن حلمه في إطفاء الحرائق لأن ذلك يضرّ بسمعته كتنين مشعل للحرائق. طيلة المسلسل يحاول جريسو المساعدة في إطفاء الحرائق لكنه يتسبب دون أن يقصد في إحراق بعض الأشياء مما يزيد الأمر سوءاً. 

الثلاثاء، فبراير 07، 2017

تذكرة لمن يظنّ أن الحب خالٍ من الأنانية/الذاتية


"الحب في جزء كبير منه أناني أو ذاتي بمعنى أدق وفي جزء كبير منه عطاء، لما واحد يكون بيصطفي لنفسه حب من حد تاني وبيمنح نفسه الحق إنه يدوب بهالحب وينتظر منه راحة وأمان وبناء ما، ما بيعمل هيك وبس، بيعمل هيك مع الشخص اللي حاسس إنه حينفع معاه هالشي. والأمر فيه حسابات ذاتية جدا، سواء في البدء أو في الانتهاء. وفي جزء من الذاتية هاي ممكن يكمل لما بعد العلاقة.

وفي نفس الوقت التعلق شيء جميل جميل جميل، بس موجع جداً، وعميق ضارب في جذور الروح. إنك تخزن ذكريات مع حد، تقطرها وتحفظها وتكبرها وترجعلها حضن ودفا وفهم وارتياح.

وفي الافتكاك من التعلق في طلوع روح من جسد، في وداع وفي احتمالات صعبة، في إعلان بإن الذكريات هاي مش حتكون الأهم، والحب هاد احتمال ميكونش الأهم، والحضن هاد مش حيكون الحضن. وإنك حتطلع من بعيد، من الضفة التانية لنهر العلاقة وتقول ياه وتبتسم بس تكمل في حياتك واختياراتك الجديدة."

مقاطع من رسالة كُتبت ولم تُرسل
٦ ديسمبر ٢٠١٦