عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

الاثنين، أغسطس 11، 2014

ملاحظات لا بأس بها 1

أحب الأشياء نظيفة
أحب الأغراض مرتّبة
أحبها جديدة

لسنوات، سنوات طوال، كنت أحافظ على الأشياء مرتبة نظيفة جديدة رغم السفر ورغم ضيق الوقت ورغم كل شيء

كنت أحزن حزناً حقيقياً على أي شيء يعكر صفو صورة الأشياء في عيني، لونها، ملمسها، نظافتها، وجودها نفسه

ومنذ فترة باتت هذه الرغبة أقل ثقلا في ميزان رغباتي
لم أرها جنوناً قبلاً، ولا أراها جنوناً الآن بعد تغير ذائقتي
أراني أنا أعيش معانِ جديدة لعلاقتي بالأشياء

انتقلت من مراقبة الأشياء والتعامل معها عن مسافة، إلى مراقبة علاقتي بها وأثري عليها كما أثرها علي

حين يضيع خاتم أو فردة حلق، أبحث بتروٍّ وبأمل متوسط، أحزن حزنا متوسطاً، ثم حين لا أجد ضالتي أقول "مفيش مشكلة، خلص عمرها" أو بالأحرى انتهت رحلتها معي، انتقلت لعالم آخر وربما شخص آخر

وحين تتسخ تنورة أو فستان أو حين أرى ثقباً غير قابل للإصلاح في قميص، أبلع ريقي وأفكر بأن نهاية الرحلة قد حلت مع هذه القطعة، وبأن الحياة كريمة جدا لأنها منحتني فرصة اكتشاف ثوب أو قميص جديد

وحين أنسى غرضاً هنا أو هناك في المنزل، حين تختلط ملابسي داخل خزانة الثياب، حين تتراكم الكتب بجانب سريري، لم أعد أجزع وأحس بالفوضى. آخذ نفساً عميقاً وأمنح نفسي فرصة الترتيب من جديد، ومع الترتيب تأتي الإثارة المصاحبة لإعادة اكتشاف الأغراض المنسية أو الثياب المختبئة في ركن ما من خزانة ملابسي الكبيرة

أكتب هذه الأفكار بعد أن قضيت بضع ثوان أتفقد حقيبة اليد الصغيرة الجديدة، فاتحة اللون، التي اشترتيها مؤخرا وأنا لا أجرؤ عادة على شراء أغراض كثيفة الاستعمال بهذا اللون

أبتسم. أبتسم ابتسامة هانئة راضية. هناك عادات ستبقى هناك، لكنها على الأقل لا تستغرق إلا بضع ثوانٍ. وكما توقعت، وكما قصدت ربما، وجدت أثري وأثر الأماكن على حقيبتي الجديدة، وفكرت أن لا بأس، فهذا يعني أنني أعيش وأتنفس وأحمل حقيبتي وأتحرك وأحتك بالعالم حولي بكل ما فيه من هواء وغبار، وهي أيضاً، تعيش رحلتها معي حتى حين

هذا بالطبع لا يعني أنني لم أعد أحب الأشياء نظيفة
أو مرتّبة

غير أنه لم تعد تزعجني الآثار التي تتركها الحياة عليّ أو على أشيائي
تلك الآثار التي لا يمكن تفاديها حقاً لكن يمكن الاحتفاء بها
أو على الأقل يمكنني تفادي بذل طاقة زائدة في الحزن عليها

ليست هناك تعليقات: