عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

الخميس، أكتوبر 29، 2020

كيف ننجو بكل تلك الصباحات؟

نُشرت هذه المادة على موقع جيم بتاريخ 20 نوفمبر 2019



الصباح تربةٌ صالحةٌ لكل شيء. قد ينبت فيه زهر يومنا. قد نكتب أو نطبخ أو نغتسل أو نمارس الحب أو نخرج لأعمالٍ ننجزها. وقد نمنحه لنوبة القلق الصباحي، للخوف الذي يُربّي بداخلنا هوسًا بالمثاليّة.

لسنوات استيقظت كل يوم عاجزةً عن فهم أي شيء. كأنني هبطت على كوكبٍ جديد، كنت أحدق لدقائق في سقف الغرفة، أتأكد إن كان هناك من يشاركني السرير أو إن كنت وحدي، أتذكر الأشياء واحدة واحدة، ومع التذكر كان القلق والخوف يتسللان لقلبي رويدًا رويدًا.

"المثالية" تجعل توقعاتنا من اليوم خياليةً جدًا. ترمي أمامنا جميع ما نريد أن ننجزه هذه السنة وتعطينا يومًا واحدًا كأنه آخر الأيام. كثيرًا ما أقع في براثنها. يصيبني الشلل حين أذكر كم التفاصيل المطلوبة والخطوات المرتقبة والتواريخ والأشخاص المفترض التواصل معهم.

لا تحب الروتين. المثالية تكره الأشياء البسيطة والخطوات الصغيرة. لا تحب الاستقرار على أي شي، وموهومةٌ جدًا بالإنجازات الضخمة. تترك كل المعطيات الموجودة، وتقفز إلى جحر المجهول، منتظرةً تفاصيل جديدة معقدة مخيفة، ثم تتركني مع هذا المجهول مشلولةً أفكر بالآتي، منشغلةً عمّا هو حاضر وأمامي بالفعل.

ولتنجح في إحكام قبضتها، تزورني المثالية مع شلّة من الأصدقاء: الخوف من الفشل، والقلق المصاحب لعدم امتلاك اليقين، وصوتٌ خافتٌ في الداخل ينتهز كل فرصةٍ تتعب فيها اللاعبة أو المحاربة فيّ فينقض عليها بالضربة القاضية، جملةٌ تتردد تلقائياً "لست جيدةً بما فيه الكفاية".

في شيكاغو، منذ 10 سنوات، كنت أدرس للحصول على درجة الماجستير، وكانت نوبات الصباح تزورني بشكل متكرر. أسئلتي حول الخطوات القادمة في حياتي سيطرت عليّ، وفشلي في أهم علاقة عشتها حتى ذلك الحين ملأني بالشكوك حول أهليّتي للحب والعلاقات. لكن ما زاد هذه الأسئلة حدّة وقسوةً كان في الحقيقة قلقي اليومي من المواد والواجبات الدراسية ونزعتي نحو إنهاء هذا الفصل من حياتي بشكل مثالي ودون أن أقع. كلما واجهت تحديًا صعبًا، بادرتني مثاليتي بمزيد من التردد الذي يثقل الكاهل. كان الارتباك والثقل يزورانني بشكل مكثف في الصباح، يملآنني بالتساؤلات ويضخمّان ما ينتظرني في اليوم، وكأن مصير حياتي متوقف على ما سأفعله فور قفزي من السرير.

في واحدةٍ من مراتٍ كثر، استيقظت صبيحة عطلة نهاية الأسبوع لأعدّ ورقة لمادّة سياسات الأسرة والطفل. كان المطلوب اقتراح تعديل لإحدى السياسات، على ألاّ نتجاوز خمس صفحات عند التحرير مع مراعاة وجود مسافةٍ مضاعفةٍ بين الأسطر. أما ما طُلب مني من قبل شلّة الأصدقاء المشاغبين المستوطنين رأسي كان الإجابة عن عدّة أسئلةٍ قبل أن أنهض من السرير: "من أنا لأنظّر في موضوع الأسرة والطفل؟"، "لا بد أن أقرأ جيّدا عن الموضوع وأدبيّاته قبل أن أجرب الكتابة، لكن الوقت لا يكفي"، "هل سأعمل في هذا المجال لاحقاً؟ لا، سأفشل حتما لأنني لم أقرأ كل شيء، من أنا لأنافس الآخرين"، "لكن، لماذا سجّلت في المادّة من الأصل إن كنت لن أمارسها لاحقا! ها أنذا من جديد أضيع وقتي في شيءٍ لن أكمل فيه"، "وحتى وإن أحببت هذا المجال وأردت العمل فيه، أين سأجد وظيفةً مناسبة حين أعود؟ أين سأسكن حين أعود؟ حبيبي لم يعد موجودًا! لا يوجد لدي بيت ولا أحدٌ ما بانتظاري!".

أصواتٌ كثيرةٌ عالقةٌ في رأسي، لازمات سجّلتها ذاكرتي من أمي وأبي ومعلمّات وأصدقاء وزملاء عمل، تنزل علي بأسئلة كثيرة كل مرة، قبل البدء وقبل التجريب. قفزٌ بالأفكار لعشر خطواتٍ للأمام قبل وضع القدم عند نقطة البداية، ثم توهانٌ في سراديب عميقة في الداخل، سراديب مظلمة وباردة، ذكريات، لعنات على أسلوب التربية، امتعاض من الوحدة، الأمر الذي ينتهي في حالتي ببكائية مطوّلة أفترس فيها نفسي وأسلخ جلدي بسوطٍ متقن الصنع، أنخفض إلى أسفل، أرى حطامي متفحمًا ثم أصعد من جديد بعد أن أنال القسط الكافي من اللوم والعقاب، وأنجز المطلوب بدقة عالية نعم لكن بنفسٍ منكسرة ودون أي نكهة للإنجاز. في كل مرّة، أكره نفسي حتى النخاع، ثم أرضى عنها بعض الشيء عندما تنتهي "الأزمة"، لكنني لم أحبّها مرّة واحدة حتى نصف مسافة الكراهية.

فكيف ننجو بكل تلك الصباحات؟ أو كيف نحاول على الأقل؟

قد توافقني من عاشت لسنوات مع نوبات القلق الصباحي، بأننا لا نستطيع الجزم بأنها لن تعود مرة أخرى. تظلّ تعود، لأسباب مختلفة أو متشابهة كل مرة، لكننا مع السنوات والتجارب والعلاج النفسي أحيانًا نتدرّب تدريجيًا على التقاط بوادرها أسرع فأسرع، ونصبح أكثر قدرة على التعامل معها لتتركنا في سلام. بل في سلامٍ مؤقت. لأنها ومجددًا قد تعود، وقد تتخفى في أثوابٍ جديدة أشد حدّة أو أصعب تفكيكًا، مما يتطلّب منا تغيير استراتيجيّتنا في التعامل معها والتفكير فيها كل مرة.

أما الدرس الأهم الذي تتعلّمه كلّ من تقرّر السير في رحلة النجاة من الخوف والقلق، فهو أن نقبل بالعيش معهما بدلاً من الاستماتة للتخلص منهما. نقبل بأن نعيش معهما كما نعيش مع آبائنا وأمهاتنا. نشير إليهما ونقدّر وجودهما بدل أن نغمض أعيننا، ومع قبولنا هذا نقبل أنفسنا شيئًا فشيئًا، ونقبل هفواتنا وسقطاتنا وضعفنا، ومعه نخلق بروتوكولات متعددة - كالتي نخلقها لنستمر في مجتمعنا الضيق والواسع والذكوري - للتعامل مع المحن النفسية التي سنمر بها على اختلاف أنواعها. ومع هذا العيش، ربما ينبثق رويدًا رويدًا بعض الحب.

لا توجد وصفةٌ سحرية للنجاة، ولا توجد خطواتٌ ذهبية، ولا توجد طريقةٌ صحيحة، كلٌّ تحاول ويحاول بقدر ما يستطيع، لكن نقطة البداية واحدة لا شك: الرغبة في المحاولة والإقدام عليها.

بالتجربة ومع الملل من جلد الذات المستمر، تعلّمت أن أتخيّل النَفْس طفلة صغيرة تستكشف عالمها الجديد، لا تتعلّم كل الأشياء مرة واحدة، ولا تنجح فيها بالضرورة من أول مرة، لذلك تحاول من جديد. هذه الطفلة تحب درجةً معينةً من الروتين، كأن تشاهد مرارًا وتكرارًا فيلم كرتون محدد وتطلق الضحكات من جديد كأنها أول مرة، كأن تسأل أمّها نفس الأسئلة، وتكرر الكلمة الجديدة التي تعلّمتها حتى تصبح جزءً من لغتها، كأن تحب اللعب بكل الأشياء حتى أدوات المطبخ والنظافة والأغراض المتفرقة التي ننساها في زوايا البيت.

ولأنجو بالصباحات من شلل القلق والمثالية، بدأت أتعلّم كيف أتعامل مع هذه الطفلة وكيف أربّيها. حين أفتح عيني صباحًا، أتخيلها استيقظت للتو، لذا كان عليّ أن أختار لعبةً أو حركةً ترافقني طويلاً فتصبح جزءًا مني وقد تساعدنا ذلك اليوم فقط على اجتياز المحنة.

المثالية والقلق يكرهان الروتين، فلنعطهما بعضا مما يكرهان. لننكّد عليهما!

قبل أن أستمر، علينا أن نتصالح مع كلمة روتين، تحديدًا أولئك منا من يعتقدون أنه يساوي الملل والتكرار العبثي الخالي من المعنى. الروتين هنا هو لب الممارسة، هو الوقوع والوقوف من جديد، هو الانتظام، هو النهوض من السرير بدل التكوّر تحت الملاءات بخوف.

ولأستطيع صناعة هذا الروتين أو إيجاده، كان عليّ مراقبة الأشياء لفترة، وتسجيل ملاحظاتي ومشاعري. كنت أبحث عن شيءٍ أستطيع احتماله ويستطيع احتمالي، أو كما قرأت مقولة شاركتها صديقتي للملحن والمنظّر الموسيقي والكاتب والفنان الأمريكي جون كيج: "فلتجدي مكانًا يطمئن له قلبك، ثم حاولي أن تثقي بذلك المكان لفترة من الزمن" (أنّثت ترجمة المقولة عن قصد، لأنني أتخيّلها تخاطبني).


مع الوقت والمراقبة، غدوت أعرف أن طمأنينتي في الصباح تزداد معظم الأحيان حين:

أستيقظ مبكرًا وفي وقتٍ منتظم، قبل أن يستيقظ القلق متمثلاً بالأشخاص والرسائل والمكالمات وأصوات السيارات وغيرها. الاستيقاظ مبكرا وافتراش مساحتي الخاصة بشروطي.

أغلق هاتفي قبل النوم، أو أخرسه وأعطّل استقبال البيانات عليه لأختفي حقًا عن العالم أثناء النوم فأستيقظ بمساحة بيضاء نوعًا ما.

أعدّ بنفسي فطورًا صحيًا خفيفًا (أخف وأفضل فطورٍ وصلت له بعد تجربة هو أن أقطّع فاكهة وأخلطها مع الزبادي والشوفان وما توفّر من مكسرات نيئة).

أتحرّك، على الأقل الجمعة صباحًا من كل أسبوع أذهب إلى حصّة اليوغا. وحده السفر قد يغيّبني. ثم أقوم بحركات "تحيّة الشمس" في المنزل في أيام متفرقةٍ من الأسبوع.

أتنفّس جيدًا، فأبتعد بقدر الممكن عن حلقات التدخين وأماكنه، وأتعلّم من اليوغا كيف أتنفس بشكلٍ أفضل. 


ومؤخرًا فقط، اقتنعت حقًا بمعنى "التأمل" ومعنى ممارسته، أحيانًا لخمس دقائق، أحيانًا عشر، وأحيانًا أكثر. وأثناء التأمل، تقريبًا في منتصف المدّة، أركّز على التأمل في السعادة والتعاطف مع النفس ومع الآخر، حتى الآخر الذي يؤلمني. حين أتأمل كيف أن الآخر أو الأخرى إنسانة، أتذكر كوني إنسانة، وأسامحني، وأسامحهمن.

إلى جانب ذلك، تزداد الطمأنينة أضعافًا حين أتأكّد من أن أحضّر لليوم التالي مسبقًا، حين أباغت القلق قبل أن يباغتني. أحدّد مهام اليوم التالي، فقط اليوم التالي، ولا أجعلها تزيد عن ثلاث مهام وأعطي كل مهمة ضعف ما تحتاجه من الوقت. وبهذا، كلما زارني الصوت الأحمق ليهدّدني ويخوّفني ويذكرني بكل ما علي من مهام ومؤجلات، أتبسّم له بهدوء وأقول: "أعرف هذا كله، وقد وضعته في الحسبان، شكرا على التذكير"، أفتح قائمة المهام ليراها الأحمق بنفسه إن تطلب الأمر، ثم أصنع شايًا ساخنًا، وأعود لمهامي.

وفي حال كنتِ أو كنتَ مثلي، ممن تتكالب عليه أنواع القلق والمخاوف المختلفة في الصباح لشهورٍ أو سنوات، هناك كنزي الثمين: "صفحات الصباح".

في نفس الوقت الذي درست فيه في شيكاغو، نصحتني المعالجة النفسية التي ترددت عليها بقراءة كتاب "طريق الفنانة The Artist’s Way" لمؤلفته جوليا كاميرون (أنّثت العنوان أيضًا). أعطتني نسختها لأتصفحها حتى أقرر إن كنت أشتري نسخة لنفسي. ظل الكتاب عندي لأيام، بل أسابيع، ولم أفتحه. خفت من حجمه ومن كم المجهود الذي علي أن أبذله لأصبح "طبيعية" أو لأعود "لطبيعتي". لم أكن أعلم حقًا ما هي طبيعتي، من هي أنا، غير أنني لم أحب ما كنت عليه وتخيلت دومًا أنني كنت في مكان آخر قبل الوصول هناك. لم أكن جاهزة حينها لتقبل ما كنت عليه بتلك البساطة، ولم أكن جاهزة لأتعلم كيف أتعامل "معي" بكل ما يجعلني من أكون.

بعد أسابيع، استجمعت شجاعتي وفتحت الكتاب. قرأت المقدمة وقرأت عن الأدوات الأساسية التي ترشحها المؤلفة لمن تريد أن تخوض رحلة جديدة لمزيد من الإبداع في حياتها، ليس بالضرورة الإبداع الفني، لكن الإبداع في تعاملها مع معطيات حياتها ورغباتها وشغفها. وهناك، في البدء جدًا، ضمن الوسائل الأساسية التي تقترحها الكاتبة لمشوار إعادة استكشاف المبدعة داخلك، تعرّفت على "صفحات الصباح"، صديقتي التي سترافقني بعدها لسنوات.

استيقظي من نومك، أسند ظهرك ومدي يدك إلى الرف بجانبك، افتح الدفتر، أمسكي القلم، وابدأوا بالكتابة بيدكم لثلاث صفحات عن كل ما يجول في خاطركم. وبانتهاء الصفحة الثالثة أغلقوا الدفتر، ضعوه جانبًا، وابدأوا اليوم.

أمّا عمّا تمنحه "صفحات الصباح" بدورها، فهو الصدر الواسع، الفراغ التام الذي ستملأون به كل هواجسكم وأحلامكم وأفكاركم الرائعة وتلك القذرة، المسبات واللعنات، والبكاء المكتوم، والشعر أيضًا، والرسائل والعتاب، وحتى الرسم والتخطيط والأفكار بشتى أنواعها سواء كانت عن الحياة أو العمل.

تسميها كاميرون أيضًا صفحات "تصفية الدماغ"، فليس هناك طريقة خاطئة لكتابة صفحات الصباح، وليست مساحةّ للتذاكي أو التنظير، قد تكون بعض الأفكار فيها ذكية، لكن أغلبها لن تكون كذلك. لن يحكم عليك أحد ولن تتنافس بمحتواها مع ما يحترق في رؤوس الآخرين. في الحقيقة، صفحات الصباح سرية، تخصك وحدك، اكتبي بها ما شئت، وإن استطعت فتفادي أن تقرئي ما بداخلها أنت أيضًا على الأقل في الفترة الأولى. فقط اكتبي ثلاث صفحات اليوم، ضعيها في مغلف بعيد أو اقلب الصفحات للخلف دون استعادتها، واكتب ثلاث صفحات في الغد.

الطلب الوحيد لدى صفحات الصباح هو أن تبدئيها فور أن تفتحي عينيك، ابدأ بالكتابة في سريرك أو انهضي لتكتبي في أي زاوية تروقك. فقط حاولوا البدء بها، إن أمكن، قبل الاستغراق في إدمان الهاتف، قبل الفطور، وقبل أي حديث مع أي شخص في المحيط. لكن حتى وإن اعترضكم أحدهمن، أمسكوا الدفتر في أيديكمن ولا تتركوه حتى تكتبوا سطرًا واحدًا على الأقل. ولو كان سطرًا يقول: "مش عارفة شو أكتب، مش عارفة شو أكتب، مش عارفة شو أكتب، عنجد مش عارفة شو أكتب، مش…".

ما تعطينا إياه تلك الصفحات هو الحرية وفرصة التدريب على الشجاعة. أن نسكب فيها كل ما لدينا من أوجاع وهموم وقلق واحتقانات وجودية وعملية تقف بيننا وبين أن نكمل أيامنا وأرجلنا أكثر ثباتًا على الأرض. فلا تتوقعي صفحات مليئة بالأمل والتفاؤل والامتنان، بل توقعيها أن تكون مثل حالك حين تستيقظين معظم الأيام: مرتبكةً، حزينةً، غاضبةً، متألمةً، مريضةً، منتظرةً، قصيرة الأنفاس، مشتتة، وربما تكون يومًا ما سعيدة، متشوقة، مرحة. الأهم من هذا كله، أن تكتبيها، وأن تثقي يومًا بعد يوم، حين تمسكي قلمك وتنهالين عليها بما يجول في مخك، بأنك تفرغين الكثير مما يتربص بك من خوف وأصوات قاسية كانت لترافقك طيلة النهار بلا رحمة.

شيئًا فشيئًا ستتسلل صفحات الصباح إلى عالمك بدلاً من نوبات الصباح، كلما أعطيتها ستعطيك. شيئًا فشيئًا ستتحول إلى محترفك الذي ستناقش فيه بعض أفكارك، ستخططين يومك ربما، ستحلل مشكلة تؤرقك، ستنظرين لأطروحتك الدراسية، ستفهم مرة بعد مرة لماذا لم تنجح محاولاتك في العلاقة التي تؤلمك، أو ستكتبين الشعر مثلي أحيانًا، أو تصلي إلى شخصيات مسرحيتك الجديدة كما وصلت إليها كاميرون بعد شهور من الاستيقاظ كل يوم والانهيار على صفحات بيضاء.

***

أما الآن، ففي الصباح الباكر، وقبل أن أنتهي من كتابة هذا النص، سأعترف بأني أقع كثيرًا كثيرًا، أنسى كل ما قلته في الأعلى في مراتٍ كثيرة، أتكعبل وأتكوّر وأتأفف. في الحقيقة، وأنا أكتب الآن، أبتسم لأنني كنت في أدنى هاوية منذ شهرين بالضبط، ولأنني نسيت تمامًا كل ما يمكنني أن أفعله لأخرج من الهاوية، ثم عادت ذاكرتي شيئًا فشيئًا، وبدأت قصة حب جديدة مع نفسي من جديد، ووصفة الطمأنينة التي تناسبني.

ولهذا، أكتب ما تقرأونه. أكتبه لأحرر نفسي من عبئه وحدي ولأبحث عن من يشاركني هذا العبء. فهذا النص هو وليد للوقوع والوقوف من جديد، وليد للمحاولة اليومية بأن أكتب. أصعب الأفعال على قلبي، وأجملها، وأكثرها ألمًا. هذا النص بمثابة وخزة لي، ولمن نسيت اليوم أن تحاول، لمن نسي أن في بعض الحكم القديمة خلاص. أريد، ولو لم أنجح كل يوم، أريد النجاة بصباحاتي، بأول حب للحياة كل يوم في هذه الحياة.

ليست هناك تعليقات: