١١ عامًا قد مضى.
أقف
كما وقفت وقتها في طابور الانتظار بين
أكوام لحم وروائح وأقمشة مختلفة منتظرة معاملات إقامة الطلاب.
١١
عامًا قد مضى، تخرّجت وسافرت كثيرًا،
غيري جاء وذهب وأقام ورحل، قامت ثورة في
مصر، إلا أنه لم يتغير شيءٌ في مجمّع
التحرير، كلنا نتحول فور دخولنا إلى
أكوام/أشلاء/جواعى للإقامات والتمديدات والطوابع وأختام
الموظفين. لم يتغير شيء
سوى آلات فحص الحقائب عند المدخل التي
اختفت وتقف الآن مكانها شابّة تتفحّص ما
نحمله دون أي اهتمام. الشبابيك
لا تزال قائمة مغبّرة مليئة بالملصقات
والإعلانات والأرقام الباهتة. الأشخاص
أنفسهم يجلسون أكوامًا خلف الشبابيك،
فقط أكبر بأحد عشر عامًا، أكثر تدوّرًا
بفضل بعض الشحوم المتراكمة، وأكثر لامبالاة
وميكانيكية.
أقف
في واحد من الطوابير المتراصّة، أفقد
إحساسي بجسدي فمن جانبي الأيسر تتداخل
معي أجساد المتصارعين على طابور آخر،
وعلى كتفي يستريح بوقاحة ملحوظة/"عشم"
ساعد امرأة تصرخ بلهجة خليجية
على الموظّف المغبّر وراء الزجاج المغبّر.
أستدير لأنظر لها ثم أفقد جميع
الكلمات حين أراها نفسها ضحيّة ساعد ثقيل
آخر يفترش كتفها ويتكرّر نفس المشهد
تباعًا إلى الخلف، نساءٌ ورجالٌ يتحولون
هنا إلى كائنات صارخة متّكئة كلٌّ على
كتف من أمامه. يكاد المشهد
يمتد للانهاية حتى تقطعه رائحةٌ ما.
أهو
الكمّون؟ أجل، وفلفلٌ أحمر أيضًا.
أعيد نظري للأمام لأرى رجلًا
جديدًا بين الأكوام خلف الزجاج يرمي لهم
بأكياس البهارات المتنوعة حتى كان من
حظّي أن أشهد هبوط كيس الكمّون على مكتب
الرجل الذي ننتظره جميعنا ليدير وجهه هو
الآخر طالبًا نوعًا إضافيًا من البهار.
رذاذٌ من الكمّون تطاير لينقذني
من الروائح البشريّة المحيطة بي ولينبهني
بأن دوري كان قد اقترب كثيرًا بينما كنت
أنظر للخلف.
أخيرًا
دوري حان، والرجل المغبّر يتناول جواز
سفري الذي طاله أيضًا رذاذ الكمّون والفلفل
الأحمر، يقلّبه بين أصابعه المنتفخة
المسودّة بنفس اللامبالاة، يمسك بالختم
العريض ويهوي به على إحدى الصفحات.
يمسك بعدها القلم الأزرق ليكتب
بعشوائية فوق عدة خانات "إقامة
غير محدودة" ويرميه
ككيس بهارات آخر أمامه. أسأله
إن كان قد انتهى فيرفع عينه إليّ بنظرة
خاوية أفترض أنها تعني الإيجاب. أتسحّب
أنا مع جواز سفري كما دخلت تاركةً الغبار
والكمّون والروائح الأخرى والأكوام
الصارخة والمتسارعة من وإلى الطوابير،
أنبثق من بوابة المجمّع لألاقي الشمس
والسماء والألوان والوجوه والسيارات
وبعضًا من المدى المتبقي وأستعيد حقيقة
كوني إنسان.
فرح
برقاوي
حدث
يوم الأربعاء 17 – 4 – 2013
القاهرة،
مصر
كتبت
يوم الخميس 25 – 4 – 2013
على
منديل أثناء مؤتمر في مرّاكش، المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق