فرح برقاوي
25/6/2012
لأنني لست وحدي من أمارس فعل الحياة .. أشاركك هنا جزءًا من حياتي
أمام مرآتي نفسها أقف ثانية
ككل ليلة أعلن نهاية اليوم
أفكّ طوقه مثلما يطلق أحدهم كلبه لمساحات رحبة ريثما هو يتنفس الهدوء والخلوة لقليل من الوقت
أمام مرآتي أحدّق في عينيّ المتعبتين من الشاشة الصغيرة لحاسبي البنفسجي المحمول. أحدق في الحاجبين وارتسامتهما الواضحة. أراهما يشكران لي زيارتي اليوم لـ"ماغي" التي أزالت ما حولهما من شعرات زائدة تغطي على تمايزهما.
أعود مرة أخرى إلى ما تحت الحاجبين. لتلك العينين الحاملتين لمدن كثيرة وحكايات وأخبار. أتذكر كلام أحدهم عن حبه للقصص الذي يكاد يغطي على أي حب. أستعيده يحرضني أن أكتب قصصي تلك التي أجمعها كل يوم/كل مكان/في كل مدينة/مع كل شخص/ومع نفسي. أتذكره وجفناي المتهدلان يكادان ينطقان بقصص اليوم التي حملتها أو علقت بي منذ الصباح دون أن أنتبه لوزنها أو هيئتها أو ما تركته فيّ من رائحة.
أسترجع تلك القصص وأنا في وسط غرفتي محدقةً في المرآة المتكئة على تسريحتي الخشبية الحبيبة. أسترجعها كلها باللون والصوت والحركة والمساحات والأشخاص والثقل أو الخفة اللذان خلفتهما لي. وفي منتصف استعراضي لإحداهن أستوقف شريط الصور، أؤنب نفسي وأعدني بأن لا أعود لفعلةٍ مماثلة، لكنني أعلم كما في كل مرة أنني سأزلّ ثانية وسأعود لنفس النقطة لأفعل نفس الشيء.
الوقت يمضي بتلصص في ساعة اليوم الأخيرة، ولو لم تلتفت إليه لخدعك وجردك من هناء النوم أو الصحو. القصص نفسها جميلة، أحدث نفسي، لكنها هي الأخرى بارعةٌ في اختطافك من مكانك لمكان لا يعني فيه الوقت شيئاً ولا ينتظرك في الصباح التالي فيه وظيفةٌ تبتزّك.
أمام المرآة أتنبه للوقت المباغت وأجدني ممسكة بقطعة قطن مبللة بما تحتويه القارورة الفرنسية من سائل يتدرج لونه بين الشفاف والبرتقالي. أراها تعبر على وجهي كمساحة مفتوحة للتجريف. ببطء تجتاز خدي الأيمن من حدود الشفتين إلى طرف العين لتمسح جبيني بعدها برفق وتنتقل إلى الخد الأيسر. ومن ثم تحطّ عند الرقبة لتزيح بقايا الغلال التي أحكمها اليوم عليّ.
قطعة قطن أخرى تتلوها، مغموسة بسائل أخضر برائحة السوسن تأتي كمنوم مغناطيسي لتتغلغل في أعماق وجهي وتسمح لكل القصص الرابضة هناك بالطيران. تتطاير القصص كلما مرت قطعة القطن بالقرب من واحدة، يتهدل جفناي أكثر استعداداً للاستسلام لهذا الليل وملاءاتي الكثيرة.
أتأكد من وضع "الكريم" على وجهي بعدها. أخبرتني إحداهن مرة أنه هو الآخر بحاجة لغطاء حميم، بحاجة إلى الإحساس بالأمان حتى يقوم أثناء النوم بحراسة الأحلام من أن تطير. بل إنه يغذيها لعلّها تصير في الغد التالي قصصاً جميلة نذكرها بابتسامة عند نهاية اليوم.
أرتب ابتسامتي للنوم، أشم رائحة وجهي والكفين، أودّع مرآتي إلى أن أراها في الصباح جميلة كما غفوت عليها. أسلّم نفسي لخلوة السرير ورحابة الليل.
ثم أنام بعد أن أقول لوجهي بأنني أودعته وجسدي أحلامي كلها، وابتساماتي الآتية كلها، ونظرات الوله القادمة كلها. أسرّ له: كن رفيقاً مخلصاً أيها الوجه العزيز.
فرح برقاوي
كتبت بتاريخ
10/4/2012
12:30 ص