لا بُدّ وأنني في كل مرة أشدّ فيها على مقبض السيفون بعد إحدى جلسات التأمل أتنهد.
لا بُدّ وأنني أفكّر ككل مرةٍ بما حدث. بكم الخراء الذي انفلت من جسدي أو الذي عملت جاهدةً لدقائق لا أعدّها على طرده مني.
لا بُدّ وأنني أحدق به لبضع ثوانٍ قبل أن أطلق للسيفون العنان معلنةً خلاصي التام من كل ما كان فائضاً/ضاراً/مزعجاً/خانقاً/مُلحّاً داخلي.
لا بُدّ وأنني أنظر لحجمه وهيئته وأحاول تذكر ما أكلته في الليلة السابقة أو التي سبقتها لأجد تفسيراً للصورة المترامية أمامي في قاع كرسيّ الحمام الأجوف.
لا بُدّ وأنني في كلّ ثانيةٍ من تلك اللاتي تعبرن بين لحظة القبض على القطعة الحديدية أعلى خزان المياه وبين اختفاء صوت اندفاع وانحسار الماء في قاع الكرسي، لا بُدّ وأني أمارس فنّ الدعاء النادر لكي يبتلع الكرسيّ وجميع أنابيب الصرف الصحيّ هذا الخراء الخارج مني بشكلٍ كافٍ دون أن يتركوا أي أثر.
بالأحرى، أنا أدعو هذا الكرسيّ العجيب ليشدّ من همّته، لأن يشحذ جميع قواه، لأن يمارس سحره ويخلصني أنا ومن حولي من هذا الخراء الكبير الذي خرج ليقبع مقابلي في درجةٍ ملاحَظةٍ من التحدي.
لا بُدّ وأنني في كلّ مرةٍ أيضاً أرسل نظرة ساخرة قبلما أمدّ يدي إلى المسكة الحديدية. نظرة ساخرةٍ أو نظرة إدراكٍ في لحظةٍ جِدُّ حقيقية. نظرةٍ لهذا الخراء ولنفسي ولتحولاتي من بعده. نظرةٌ تغدو فكرةً أو تفكّراً في الخراء الأصيل. الخراء الحقيقي الكامن في أجسادنا. الخراء الذي لجبروته بِتنا نراه أو نحسه أو نعيشه كلما ضقنا بفكرةٍ أو عاطفةٍ أو شخصٍ أو مكانٍ أو صورةٍ أو صوتٍ أو رائحةٍ أو قائدٍ أو قضيّةٍ.
لا بُدّ وأنني أرسل نظرةً هازئةً أو نظرة إدراكٍ لأنني في كل مرة أقترب من الإيمان بأن الخراء برغم جبروته ضعيفٌ. ضعيفٌ بكل ما يفوح به، بكل ما ينقله من أمراضٍ، بكل ما يؤلمنا به بعض الأحيان. الخراء ضعيفٌ لأنه خسر المعركة، لأننا مستعدون لبذل جميع السبل للفظه دون توانٍ أو تخاذل أكثر من أي شيءٍ في حياتنا. ربما.
الخراءُ مريحٌ. فهو إن أصبح خارجنا تغدو الحياة متاحةً. الخراءُ جميلٌ.
أفكّرُ بأنني في كلّ مرةٍ أرسلُ ابتسامةً راضيةً. أقول لنفسي بأنّ الخراءَ جميلٌ فهو يفاجئنا كلّ مرة مثل النشوة حين تحاصرنا وتفرج عنّا في بضع ثوانٍ. بأنّ الخراء هو الآخر غريزيٌّ حميم وأنه علينا أن نحبّه أكثر.
فرح برقاوي
بيروت
هناك 4 تعليقات:
الخراء جميل
فكرة مثيرة للاهتمام
أظن الخراء نتاج أشياء فينا.. كانت جميلة في حالتها الأولى
نحن مليئون عادة بالأشياء الحلوة
لكن ليس بالضرورة أن يكون ناتج جمع كل الأشياء الجميلة جميلاً
أعجبتني الفكرة كثيراً
تذكرتُ ميلان كونديرا
حبيبتي.
لم تكتبي لي من زمن هنا.
أحب تحليلك. بالتأكيد. ليس بالضرورة أن يكون الناتج جميلاً. ربما هي أمنية. أقول لنفسي بأني الخراء جميل.
قبلاتي من بيروت الباردة
ههههههههههههههه مبدعة!
ليتك ترينا عرضا تطبيقيا لهاته النظرية العبقرية لهذا الجمال
إرسال تعليق