عبور

عبور
الصورة لسارة بينيو

الخميس، ديسمبر 29، 2011

رغبات ليلية في الريفييرا - دفء الملاءات البيضاء

في غرفة بفندق ريفييرا أجلس ملتحفة بملاءات بيضاء تخفي تفاصيل الجسد وتكشف دواخل الروح. ملاءاتٌ تشف الأفكار السيئة والطيبة سواء. نشدّ الذكريات التي كانت على أهبة الرحيل، تطفو بها على السطح، تسوقها إلى حيث لا أريد.

رغبة ما تعتريني. تهزني تحت الأغطية البيضاء. أتلمّس الصمت. أريد صمتاً كاملاً لا هدوء. أريد خلوةً لا وحدةً. أريد أصحاباً غير إلكترونيين. أريد حبيباً موجوداً حيث يجب أن يكون. هنا. كهذه الملاءة دافئاً يكون. كهذا الصمت بليغاً يكون. كهذا الليل واسعاً يكون. كهذه المدينة بيتاً يكون.

تعتريني رغبة في البكاء. لا أريد أن أصدّق. لا أريد أن أكذّب. أحتاج لمصالحة ما. عدة مصالحات. مع المدن التي تقمصتها وتلك التي حاولتني. مع البيوت التي سكنتها وتلك التي غربتني. مع الدقائق التي أضعتها وتلك التي غيرتني. مع الأفكار التي أهملتها وتلك التي دوختني. مع الأمراض التي أخافها وتلك التي أوهنتني. مع الليالي التي رفضتها وتلك التي سهرّتني. مع العيون التي أتعبتها وتلك التي أطفأتني.

أحتاج ليوم أعيد فيه يومي. أحرّر فيه التفاصيل، أصحح القواعد اللغوية والحركية، أراجع الأحداث، أحذف أواخر الجمل التي لم أتنبه إلى عدم لزومها إلا بعد أن انفلتت من بين شفتي. أتدارك مصائد الكلمات ومصائب التخاطب، أتحرك بما يناسب الطقس والطقوس.

أريد من كل يومٍ اثنين، مسوّدة ونسخة تصلح للطباعة والنشر. أريد من كل شيءٍ اثنين، واحداً أستبيحه وأبليه وآخر يذكرني بأصل الأشياء. أحتاج من كل كلمةٍ اثنتين، واحدة أطوعها/ أقطعها/ أرميها كيفما يكن وأخرى أقبض عليها لعلّ دلالتها لا تتوه وسط المحاولات والتجارب العابثة. أحتاج من كل نظرة اثنتين، واحدة تأخذني إلى الرؤيا وتصل الجمل المرتبكة وأخرى أفرّزها في محاولة لتأريخ حياة كائن يسمى البريق.

أريد من جسدي اثنين. واحد أعيش فيه، أقسو عليه، لا أخلعه قبل النوم، لا أنتبه للونه وقياسه وأبعاده وآخر يظل شقياً صبياً مفتولاً بصدر كمثريّ واثق، خطوات راقصة، وشعر بني غامق يغمز لسطوع الشمس بكستنائية لعوبة.

أريد أن أكون كتاباً، حجراً، كرسياً خشبياً معتّقاً، رخاماً خمرياً مشققاً، جميّزة عجوز واقفة وسط ساحة بلدة قديمة. أريد أن أكون مخطوطة، يحفظها الآخرون ويرجعون إليها كلّما تاهت خطاهم. أغنية كتبها صاحبها بعشق محموم ليصيب العالم بإدمان عضال على سماعه وجسّ عاطفته المنسكبة.

أريد أن أكون لمرة واحدة وطناً حراً.

أريد أن أكون.


فرح برقاوي

بيروت
العشرة أيام الأخيرة من ديسمبر

هناك تعليقان (2):

serendipity يقول...

أحتاج ليوم أعيد فيه يومي.:)

فرح يقول...

وحشاني يا قمر