جاءت إذن هذه الليلة! ولم يتبق غير ثلاث دقائق فقط لأودع هذا العام بأيامه الـ365 يوماً وبعضاً من يوم.
أجلس وحدي في هذا البيت الذي شهد، كما شهدت هذه القاهرة، على أجمل سنوات حياتي. أجلس وحدي مصغيةً لارتطام قطع المصباح المتدلية من السقف على وقع ما يندفع من مكيّف الهواء. أمامي أيضاً تلفازٌ صامت، وكمبيوتر يهمس لي بتوافد رسائل التهنئة من الأصدقاء والمعارف والزملاء.
أصوات السيارات تأتي على عجلٍ مخترقةً زجاج النوافذ، تنبهني لدقات الساعة التي تدخلني عامي الجديد دون تمهل، دون استئذان، ودون إلقاء التحية.
تسع دقائق تمر.. لا تلبث أن تصبح تسع ساعاتٍ .. ومن ثم تسع أيامٍ .. تسع شهورٍ. وكما انصرف العام الثالث والعشرون، سينصرف هذا العام تاركاً بعض الذكريات، وبعض النجاحات، ولن يخلو الأمر من بعض الألم.
يرن الهاتف في الدقيقة الثانية عشرة، ليطل صوتها كما فعل طيلة الأعوام السبعة الماضية منذ فرقتنا الحدود. هذه السيدة الجميلة تكلمني ليرفّ قلبي إلى حضنها.. ويحلم بقليل من الراحة على صدرها.
الدقيقة الرابعة والعشرون.. كما سنوات عمري.. تقتحمني دون خجلٍ لتضعني أمام المرآة. أرى وجهي وما وراءه.. أراني هنا أودع القاهرة والأصحاب قبل أن أمخر العباب نحو شيكاغو. أرى المرحلة القادمة.. نوع الوحدة القادمة.. وطعم الشوق إلى الحبيب.. نشوة المغامرة.. والشغف باكتشاف الذات والمكان. أرى كل شيءٍ وأسترق النظر لقلبي وهو يشتاقك ويرغب بك أيها البعيد..
الثالثة والثلاثون.. في هذه الدقيقة تحملك الطائرة من القاهرة لمنزلنا الصغير في دبي. لا بد أنك تجلس الآن وسهام الأفكار تهاجمك من كل جانب. عيناك الذابلتان، وبرغم البعد، تطلان علي وأنا جالسةٌ على هذه الكنبة الخضراء. عيناك تمنحانني القوة والجرأة.
في عامي الرابع والعشرين، أكتب بعد غياب. ولربما أتعثر قليلاً.. أقتحم المجهول.. أفتح مساحة الحلم.. أحبك أكثر.
في الدقيقة الرابعة والأربعين، أغفو على أمنياتي علّني أصحو لأجدها منتظرة، وليقبل اليوم الأول من عامي الجديد/السعيد.
فرح برقاوي
القاهرة
الأحد 7/6/2009
12:44 صباحاً (00:44)
-------------
تأخرت كثيراً قبل نشر هذه التدوينة.. لا أدري لماذا! عندي جفاف شديد في الكتابة .. اعذروني.. ويا ليتني أعذر نفسي!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
فرح، سعيدة جداً بعودتكِ.. لا تنقطعي عن الكتابة ..
غيدا
إرسال تعليق