مسافر وحدك .. تجلس على مقعد الغرباء.. ترقبهم.. تحاول أفكارك السفر قبل الموعد المحدد للطائرة، لكنها تظل عالقة بين ما تتركه وما أنت مقبل عليه بعد الوصول الجديد. وحدك جالس على هذا المقعد، وكثيرون قبلك قد مروا عليه تاركين قطعة من روحهم في صالة المسافرين، وأنت تعلم أنك مثلهم ستترك عطرك، وقليلاً من القلق لمن يأتون بعدك .
تظن بأنك مختلف عنهم، حاملاً فرحةً أو جرحاً، حباً أو طفلاً. وتختلف عنهم فعلاً، فأنت اليوم عبر هذه البوابة ستذهب، محمولاً بالرغبة، محملاً بالحنين. عبر هذه البوابة ستذهب، لا عودة للوراء، وعلى هذه الطائرة ستبدأ فصلاً آخراً من حياة الترحال التي فرضت عليك.
مثلك أنا.. أجلس على هذا المقعد الذي كنتَ فيه، وأشتم رائحة غربتِك. أحاول بقدر الإمكان التشبث بأجزائي التي ترفض الإقلاع معي إلى حيث أرحل. في مطار القاهرة.. حيث لا لون مميز للأشياء، ولا ابتسامات تغطي وجوه العاملين، أجلس مأخوذة بولعي بمصر وتحديداً مدينتها الأكثر ازدحاماً وتلوثاً وزخماً وحباً وأشخاصاً: القاهرة.
في هذه القاهرة، تأخذ المعالم لوناً آخر لم تألفه المدن، لوناً قاتماً وساحراً في آن. يأخذ الإنسان بعداً آخر، يصبح نقطة في بحر، أو دورة في دوامة، ويصبح نفسه قادراً على الخروج عن المألوف، يفاجئ نفسه، يمشي كما لم يفعل منذ جاء للأرض، يتحسس الشوارع يتعرف إلى أسمائها، ويرمي بخطواته على إسفلتها المهزوم من مر السنين.
أحبها، كما لم أحب مدينة من قبل .. ألأنها شهدت على اكتمال الأنثى فيّ ؟! .. أو لكونها محطة استقلالي الأولى؟ .. أو ربما لأنها صنعت أرواح أعز الناس؟! هي المدينة/المرأة بكل تفاصيلها.. تنتشي بكل من يدغدغ أرضها بخطوة المحب.
بأي طاقة يا مصر ولدت القاهرة؟ بأي حزن تتركيني دونها؟ أنا الجالسة كغيري على متن الطائرة. أبحث عنها .. في كف يدي .. ملامحي .. وتزداد مرآتي انكساراً كلما ابتعدت. وأنت يا قاهرة.. يا مدينة الكل كيف تجتثين أعماقي؟ وأخرج منك مبللة بذاكرتي، بلهفة أول الحب أخرج، وأودِعُك رغبتي التواقة للسهر والغناء والوجود.
وحيدة أغدو حين أغادر غيمك .. مذهولة بثقل الفراق أدرك كم أحتاج أن تشديني .. أن تأخذيني بين راحتيكِ كل حين وحين .. أن تحرميني النوم حين أضيع فيكِ .. أن تملأيني برائحتك .. بغبار كفيكِ يا أم المسافرين.
تظن بأنك مختلف عنهم، حاملاً فرحةً أو جرحاً، حباً أو طفلاً. وتختلف عنهم فعلاً، فأنت اليوم عبر هذه البوابة ستذهب، محمولاً بالرغبة، محملاً بالحنين. عبر هذه البوابة ستذهب، لا عودة للوراء، وعلى هذه الطائرة ستبدأ فصلاً آخراً من حياة الترحال التي فرضت عليك.
مثلك أنا.. أجلس على هذا المقعد الذي كنتَ فيه، وأشتم رائحة غربتِك. أحاول بقدر الإمكان التشبث بأجزائي التي ترفض الإقلاع معي إلى حيث أرحل. في مطار القاهرة.. حيث لا لون مميز للأشياء، ولا ابتسامات تغطي وجوه العاملين، أجلس مأخوذة بولعي بمصر وتحديداً مدينتها الأكثر ازدحاماً وتلوثاً وزخماً وحباً وأشخاصاً: القاهرة.
في هذه القاهرة، تأخذ المعالم لوناً آخر لم تألفه المدن، لوناً قاتماً وساحراً في آن. يأخذ الإنسان بعداً آخر، يصبح نقطة في بحر، أو دورة في دوامة، ويصبح نفسه قادراً على الخروج عن المألوف، يفاجئ نفسه، يمشي كما لم يفعل منذ جاء للأرض، يتحسس الشوارع يتعرف إلى أسمائها، ويرمي بخطواته على إسفلتها المهزوم من مر السنين.
أحبها، كما لم أحب مدينة من قبل .. ألأنها شهدت على اكتمال الأنثى فيّ ؟! .. أو لكونها محطة استقلالي الأولى؟ .. أو ربما لأنها صنعت أرواح أعز الناس؟! هي المدينة/المرأة بكل تفاصيلها.. تنتشي بكل من يدغدغ أرضها بخطوة المحب.
بأي طاقة يا مصر ولدت القاهرة؟ بأي حزن تتركيني دونها؟ أنا الجالسة كغيري على متن الطائرة. أبحث عنها .. في كف يدي .. ملامحي .. وتزداد مرآتي انكساراً كلما ابتعدت. وأنت يا قاهرة.. يا مدينة الكل كيف تجتثين أعماقي؟ وأخرج منك مبللة بذاكرتي، بلهفة أول الحب أخرج، وأودِعُك رغبتي التواقة للسهر والغناء والوجود.
وحيدة أغدو حين أغادر غيمك .. مذهولة بثقل الفراق أدرك كم أحتاج أن تشديني .. أن تأخذيني بين راحتيكِ كل حين وحين .. أن تحرميني النوم حين أضيع فيكِ .. أن تملأيني برائحتك .. بغبار كفيكِ يا أم المسافرين.
فرح برقاوي
مطار القاهرة - دبي
الأحد 9/3/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق