حبيبتي سمر
أنهيت لتوي، على طائرة عائدة من ميونخ، سيرة الشاعر تشارلز سيميك "ذبابة في الحساء". نقلتها إلى العربية الشاعرة المصرية الأقرب لقلبي إيمان مرسال. كنت بدأت بالاعتقاد أن هذه السيرة لن تنتهي وأنني لن أقرأ كتابًا آخر هذه السنة. بدأته في بداية فبراير الماضي، حين كانت أمي تزورني في القاهرة، كان وقتًا صعبًا -وما زال-، ولم أتمكن من هجر الكتاب لفرط جماله ولم أتمكن من إكماله قبل هذه اللحظة لفرط تشتتي.
على الطائرة اليوم وأنا أقترب من النهاية كان قلبي يذوب، لقد أصبح الكتاب مثل حبيب غائب لا أعرف متى يفاجئني بنفحة حب، والمفاجآت اليوم كانت كثيرة. يتسارع جمال الوصف والتعبير والشعر مع اقترابك من الغلاف، تودين الالتفات للخلف والعودة مرة ثانية، إلى حضن الحب والشعر حتى وإن كان الحبيب غامضًا والشعر عزيزًا. أعلّم تحت بعض السطور، أود أن آخذها معي أينما أكون. أتأمل فيه، في كل قراءاته، في كل اقتباساته من الشعر والتاريخ والفلسفة، تصيبني نشوة، لا، نشوات متتالية، أفكر بأني أريد أن أقرأ هكذا وأن أفهم الدنيا هكذا وأن أكتب شعري وسيرتي يومًا ما هكذا.
تصيبني رغبة عارمة بتحطيم الموبايل والانكفاء داخل العزلة. عالمنا معقد جدًا، مُربكٌ جدًا، وأنا في لحظةٍ حرجةٍ تمامًا من تاريخي الشخصي وسط تاريخ قبيح يكتب ويزوّر لهذا العصر. تجاوزت أيام الدراسة والعشرينات من عمري، لكنني بعيدة عن الستينات التي ربما أجلس أثناءها على شرفة وأقرأ أو أكتب دون خوف.
هل سأتخلص يومًا من خوفي يا سمر؟
هل سيزورني الحماس والشغف من جديد ولمدة أطول قليلًا أتمكن معها من تحقيق شيء؟
هل سأكتشف معنى الإيمان يومًا؟
أنا مليئة بالأحلام يا سمر، تتبعها اختناقات صغيرةٌ في عمق صدري لما أدركه من تاريخي المشؤوم في الإفلات بالحلم.
سأهبط الآن. اقرأي "ذبابة في الحساء". سأشتري لك نسخة، قد تكفينا نشوة قراءة مثل هذه الكتب في هذه النسخة من الحياة.
- كتبت في ٢٦ يوليو/تموز ٢٠١٧