الميت يرقد هناك
والجميع يرحلون عن ذلك الدير المعلّق على جبل ما من جبال البلد الصغير، المفتت.
وحده يبقى هناك ممسكاً بزمام الوادي الكبير. متحسسّاً بكامل روحه الشمس الجديدة بعد مطر. مريحاً كامل جسده للثلج واستدارة الأكاليل ورسالةٍ من امرأة أتلفه حبها.
الميت يظلّ هناك
وسيلٌ من السيارات المكتظة بمعاطف سوداء يجتاز انحناءات الجبل صعوداً وهبوطاً مطلقاً زفيراً أخير.
الطرقات الضيقة التي تعيدهم لمدينتهم تخبئ شجراً نافذاً من صخر. تخبئ ضوءاً منثوراً. ترمي عليهم صوراً/ذاكرةً مع ندف الثلج.
تقرصهم ببطء.
تولد أفكاراً وأحاديث ونقاشاتٍ تبدأ بطقوس الوداع، ثم تمرّ على طباع المودعين، ثيابهم، ضحكاتهم المرّة، لتقفز بعدها إلى تجارة الموتى- توابيتهم، ألوانها، أخشابها، نقوشها، وقبورهم الرخامية.
تتوالى الأحاديث ثم تنقطع وحدها هكذا كما انبثقت إلى صمتٍ. إلى ابتسامةٍ تائهةٍ وبريقٍ في عينيّ امرأةٍ تجلس في المقعد الأمامي لسيارة "غولف" عائدة للمدينة كما الآخرين.
الميت يضحك هناك
الميّت اختلى بالجبل البعيد وتقهقر المودعون إلى مدينتهم أكثر وحدةً.
فرح برقاوي
وادي الكرم، لبنان
- كُتبت في 20/2/2012